يوسف تيلجي
سأتناول في هذا البحث المختصر .. بعضا من أيات سورة الرحمن / ” الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3)علمه البيان (4) ” .. ، وسأسرد بعض التفاسير لها ، من ثم سأعرض قراءتي الخاصة لبعض للأيات المختارة .
النص :
في التالي بعضا من التفاسير لسورة الرحمن ، سأسردها على سبيل المثال وليس الحصر:
1 . وفق تفسير بن كثير ، أبين التالي / أنقله بأختصار (( يخبرنا الله تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه ، فقال الله تعالى ” الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ” ، قال الحسن يعني النطق ، وقال الضحاك وقتادة وغيرهما يعني الخير والشر وقول الحسن ههنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن وهو أداء تلاوته وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها .. )) .
2 . أما من تفسير الطبري ، أبين التالي ((ص 138/سورة الرحمن مكية كلها في قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر .. ، وقال ابن مسعود ومقاتل: هي مدنية كلها . والقول الأول أصح لما روى عروة بن الزبير قال : أول من جهر بالقرآن بمكة بعد النبي ابن مسعود: وذلك أن الصحابة قالوا : ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط ، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال ابن مسعود : أنا ، فقالوا : إنا نخشى عليك ، وإنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه ، فأبى ثم قام عند المقام فقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) الرحمن علم القرآن ثم تمادى رافعا بها صوته وقريش في أنديتها ، فتأملوا وقالوا : ما يقول ابن أم عبد؟ قالوا : هو يقول الذي يزعم محمد أنه أنزل عليه ، ثم ضربوه حتى أثروا في وجهه . وصح أن النبي قام يصلي الصبح بنخلة ، فقرأ سورة ( الرحمن ) ومر النفر من الجن فآمنوا به، وفي الترمذي عن جابر قال : خرج رسول الله على أصحابه [ص: 139 ] فقرأ عليهم سورة ( الرحمن ) من أولها إلى آخرها فسكتوا ، فقال : لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم كنت كلما أتيت على قوله : فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا : لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد قال : هذا حديث غريب . وفي هذا دليل على أنها مكية والله أعلم .. )) .
3 . أما في موقع / الدعوة المهدية العالمية ، أعرض التالي / نقل بأختصار (( ” فأما البيان لقول الله تعالى: الرَّحْمَـٰنُ ( 1 ) عَلَّمَ الْقُرْآنَ ( 2) صدق الله العظيم ” ، أي علّمه لمُحمد رسول الله عن طريق جبريل الأمين . وأما قول الله تعالى: ” خَلَقَ الْإِنسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 ) صدق الله العظيم ” ، وذلك الإنسان هو الإمام المهدي خلقه الله في قدره المقدور في الكتاب المسطور حتى إذا بلغ أشده علّمه البيان للقرآن وأن الشمس والقمر بحسبان وعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون لا أنتم ولا آباؤكم الأقدمون ولكل دعوى برهان ، وذلك لأن مُعلّم الإمام المهدي هو الرحمن بوحي التفهيم .. )) .
القراءة
أولا – المفسرون عامة ليس لديهم من أجماع على تفسير مما ورد في الأيات أعلاه !! ، وكل مفسر يفسر الأية من وجهة نظره ! ومن فهمه للأية ، فالمفسرون الذين أوردهم أبن كثير / في الفقرة 1 أنفا ، يركزون على مفهوم ” النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين على اختلاف مخارجها وأنواعها ” كالحسن ، أما الضحاك وقتادة وغيرهما ركزا على أن تفسيرهما للأيات يذهب بأتجاه وهو منحى ” الخير والشر ” .
ثانيا – اما في تفسير الطبري / في الفقرة 2 أنفا ، فقد أختلف المفسرون في هل ” أن سورة الرحمن مكية أو مدنية ! ” ففي قول الحسن وعروة بن الزبير وعكرمة وعطاء وجابر قالا أنها مكية ، أما ابن مسعود ومقاتل : فقالا أنها مدنية ! ، ولكن الغريب بالأمر ، أن الرسول قرأ السورة على الجن ، ولاقت أستحسانا أكثر من البشر! .
* والسؤال هنا : هل للرسول أتصال مع الجن ! ، وكيف يكون رد فعل الجن أفضل من البشر ! ، وهل معشر الجن قد أسلموا على يد الرسول ! ، وهل يعني هذا ضمنا أن رسالة محمد موجهة لمعشر الجن ! ، وهل معشر الجن في حاجة الى هداية ! ، وهل هذه الأية تفسر وفق السياق التأويلي لسورة يونس : “قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ( ( 2 ” ، ففي تفسير الطبري / أنقله بأختصار – (إن هذا لسحر مبين، بمعنى : إن هذا الذي جئتنا به – يعنون القرآن – لسحر مبين ، وقرأ ذلك مسروق وسعيد بن جبير، وجماعة من قراء الكوفيين : إن هذا لساحر مبين .. ) كل هذه مجرد تساؤلات!! .
ثالثا – أما في موقع الدعوة المهدية العالمية / في الفقرة 3 أنفا ، فيذهب المفسر الى منحى أخر ، حيث يبين ” أن الرحمن علم محمد القرأن ” وأني أرى / وفق العقيدة الأسلامية ، كان الأولى القول ” الرحمن أنزل على محمد القرأن ” ، ومن جانب اخر ، أن النص القرأني لم يذكر محمدا بالأسم ! ، ثم يكمل بأن قول ” خَلَقَ الْإِنسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 ) ” ، المقصود به هو ” الإمام المهدي ” ، وهذا الأمر هو خارج بنية وقصد النص ! ، ويزيد المفسر بأن المهدي مخلوق في قدره في الكتاب المسطور ، أي موجود من الأزل ، وهذه أشكالية لا يمكن فهمها ولا يمكن قبولها عقليا!! .
رابعا – وفي سياق أخر ، لو أخذنا الأية التالية ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون / 9 سورة الحجر ، وتفسيرها حسب الجلالين ، التالي ” { إنا نحن } تأكيد لاسم إن أو فصل { نزلنا الذكر } القرآن { وإنا له لحافظون } من التبديل والتحريف والزيادة والنقص” . شخصيا ارى نوعا من التضادد في مفهوم الأيتين / الرحمن والحجر ، لأن أية الرحمن عامة تتكلم عن ( أن الرحمن يعلم الانسان / بغض النظر عن هذا الأنسان ! ) ، بينما في سورة الحجر ، أن ( الله هو الذي أنزل القرأن وهو الرقيب والحافظ له من التبديل والتحريف، وأرى أيضا وجود خلاف في بنية النص بين الأيتين ! / الله في سورة الرحمن يعلم القرأن بينما الله في سورة الحجر حافظ و رقيب للقرأن .
خامسا – في سورة الرحمن هناك تضادد أيضا في الأسبقيات ، حيث أن عملية ” التعليم ” سبقت عملية ” خلق ” الأنسان ! ، والمفروض أن ” تسبق عملية خلق الأنسان عملية التعليم ” ، فكيف يكون هناك ” تعليم ” وليس من بشر على الأرض! ، وهذه خطأ ليس لغوي بل أنه خطأ معرفي ! ، وهذه أشكالية في بنية النص! .
سادسا – أما لو تناولنا الأيتان ” خَلَقَ الْإِنسَانَ ( 3 ) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ( 4 ) ” / سورة الحجر ، فيقول الرحمن .. خلق الأنسان ، علمه البيان ، ومعنى البيان ، وفق موقع / قاموس المعاني ، الحجة والمنطق الفصيح والبلاغة وحقيقة الحال ، أما وفق موقع / صباح الخير ، فتاتي بمعنى الظهور والأشراق والوضوح ، ولا أرى شخصيا أن لله مهام تربوية وأخرى لغوية يعلمها للأنسان! .
خاتمة :
يبقى تفسير المفسرين / معظمه ، غير مستندا على قرائن أو سند ، فالمفسرون يدلون بدلوهم كأي فرد من أفراد البشر ، فهم يصيبون ويخطأون ، ويتأثر منهجهم التفسيري بالوسط الأجتماعي والثقافي والسلطوي ، والسياسي بشكل خاص !! ، أضافة لكل هذا ” أنعكاس العقيدة المذهبية على المفسر ! ” ، لذا تلاحظ هذا الخلاف والأختلاف والتضادد بين هذا المفسر وذاك في تفسير الموروث الأسلامي .