يوسف تيلجي
المقدمة :
في محاضرة للدكتور يوسف زيدان ، يقول ما نصه : (( أن القرأن – نص مقروء والكتابة أستثناء .. العرب كانوا معتمدين على الشفاهية .. كتابة القرأن عمل سياسي وليس ديني .. الأصل للقرأن أن يتلى لا أن يكتب ..)) ، وكذلك من خلال قرآتي القرأنية ، هناك أية – تنهج نفس ما طرح الدكتور زيدان / ضمنيا أو جزئيا وبشكل أو بأخر ، والأية تنص على: ( أنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ / 9 سورة الحجر )، المقولة والنص الأنفي الذكر أوقفاني كثيرا .. ومن خلال أستقراء ما سبق سأسرد بحثي المختصر .
النص :
أولا: لنتعرف على بعض تفاسير الأية 9 / سورة الحجر ، فقد جاء في تفسير الطبري ، وفق موقع / أسلام ويب ، حول تفسير الأية أعلاه التالي (( يقول تعالى ذكره : إنا نحن نزلنا الذكر” وهو القرآن ” وإنا له لحافظون، قال : وإنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ، ليس منه ، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه ، والهاء في قوله : ( له ) من ذكر الذكر )) . وفي الموقع التالي www.quran7m.com ، جاء في تفسير نفس الأية أعلاه / نقل بأختصار التالي (( التفسير الميسر: إنَّا نحن نزَّلنا القرآن على النبي ، وإنَّا نتعهد بحفظه مِن أن يُزاد فيه أو يُنْقَص منه ، أو يضيع منه شيء . ويقول السعدي : ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” ، ( إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ ) أي : القرآن الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة ، وفيه يتذكر من أراد التذكر ، ( وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) أي : في حال إنزاله وبعد إنزاله ، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم ، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله ، واستودعه فيها ثم في قلوب أمته ، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ، ومعانيه من التبديل ، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين ، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين .. )) .
* من التفسير نلاحظ أن مفردة ” الذكر ” ، هي مرادفة للقرأن ! ، فلم لم يقل النص القرأن مباشرة ! ، الأمر الذي يوصلنا بأن المفسرين يفسرون ما يعتقدون من أنه هو الكلام القويم . كذلك لا يمكن أن يحفظ كلام / في صدور المؤمنين ، دون توثيق ، فكيف يحفظ القران شفاها وهو أكثر من 600 صفحة / سورا وأياتا .
القراءة :
1 . أن الله أنزل على موسى الوصايا العشر مكتوبة / دون الدخول في تفاصيل هذا الحدث ، فقد جاء في موقع الويكيبيديا ، ما يلي ( الوصايا العشر ، أرفع الآثار الموسوية وأبرزها في التراث اليهودي المسيحي ، تلقفها موسى منقوشة على لوحي الشريعة في جبل حوريب .. ) ، ولقد جاء في سفر الخروج / بذات المضمون السابق ولكن كان المقصود موضوعة التوراة ، ما يلي : (أن التوراة التي سلمها الله لموسى كانت مكتوبة على لوحين من الحجارة : ثم أعطى – أي الله – موسى عند فراغه من الكلام معه في جبل سيناء لوحي الشهادة ، لوحي حجر مكتوبين بأصبع الله/الخروج 31/18 – نقل بتصرف من موقع www.drghaly.com ) ، وكان ذلك قبل دعوة الرسول بأكثر من 20 قرنا ( .. أن الوصايا العشر كُتبت لليهود عن طريق موسى النبي وكان ذلك حوالي 1400 سنة قبل الميلاد / نقل بتصرف من الموقع التالي : https://ar.arabicbible.com ) ، والسؤال .. لم لم يكتب الله للرسول الأيات مكتوبة بواسطة الوحي جبريل ! ، وذلك خوفا كما قال المفسرون ( من استراق كل شيطان رجيم ) ! . ولو نزل القرأن مكتوبا كحال التوراة ، لما أستدعي الله الى عمل ما يلي ( .. وبعد إنزاله / أي القرأن ، أودعه الله في قلب رسوله ، واستودعه فيها ثم في قلوب أمته ، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ، ومعانيه من التبديل .. ) .
* أذن النص المكتوب يغني عن النص المقروء والمسموع من الضياع ومن التغيير ، ولن تتيه النصوص بين الحفاظ .
2 . ولو تركنا النقطة أعلاه جانبا ، وسلمنا جدلا أن القرأن نزل متفرقاً ، وعلى دفعات يطول ويقصر الزمان فيما بينها ، وعلى فترات الرسالة المحمدية / 13 عاما ، فبأي لغة نزل القرأن !! ، أسلاميا القرأن نزل عربيا ، وفق الأية ( أنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ / 2 سورة يوسف ) ، ولكن النص القرأني يؤكد من جهة أخرى على أن المسيح هو ” كلمة الله ” ( أنما الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ .. / 171 سورة النساء ) ، والمسيح كان يتكلم الأرامية ( ولقد تكلم المسيح الآرامية بالرغم من إنه سكن فلسطين لأنها اللغة التي كانت سائدة آنذاك .. / نقل من موقع التالي https://ar.arabicbible.com ) .
* وبما أن المسيح هو كلمة الله والمسيح يتكلم الأرامية ، أي من المنطق من أن القرأن قد نزل وحيا على الرسول بالأرامية ! وهذه معضلة عقائدية تحتاج الى أجوبة ! .
3 . ولو تركنا النقطتين السابقتين ( 1 و 2 ) جانبا أيضا ، ونرجع الى النص القرأني الذي يقول ( .. وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ / 9 سورة الحجر ) ، والتي فسرها / السعدي ” حفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص ، ومعانيه من التبديل ، فلا يحرف محرف معنى من معانيه .. ” ، السؤال هنا ، هل الله حفظ القرأن ، منقطا مشكلا مضبوطا ، أم حفظه دون كل ذلك ! لأن القرأن أول ما كتب ، كان دون كل الذي ذكر ، فقد جاء في موقع / بوابة الأسلام ، التالي : ( كُتبت مصاحف عثمان خالية من النقط والشكل ؛ حتى تحتمل قراءتُها الأحرف السبعة التي نـزل بها القرآن الكريم ، وعندما أرسلها إلى الأمصار رضي بها الجميع ، ونسخوا على غرارها مصاحف كثيرة خالية من النقط والشكل . واستمروا على ذلك أكثر من أربعين سنة ) .
* والسؤال هنا ، أيعصى على الله ” أن يحفظ الذكر ” ، منقطا مشكلا مضبوطا ! أذن لم أنزله دون كل ذلك وأدخل القرأن بحساب التأويلات وتفسيرات المفسرين ! .
4 . وتساؤل أخر ، لم الله أنتظر الى عشرات السنين – لحين مجئ أبو الأسود الدؤلي والفراهيدي ، لكي يكتمل القرأن بالوضع المشكل ، فقد جاء في موقع / مركز الفتوى ، التالي ( فكان ” أبو الأسود الدؤلي ” أول من وضع النقط للضبط فكان يضع النقطة أمام الحرف علامة على الضمة ، والنقطة فوقه علامة على الفتحة ، وإذا كانت تحته فهي للكسرة ، واستمرت الكتابة على هذا إلى أن جاء” الخليل بن أحمد الفراهيدي” فوضع ضبطاً أدق من ضبط أبي الأسود فجعل بدل النقط : ألفاً مبطوحة فوق الحرف علامة على الفتح ، وتحته علامة على الكسر ، وجعل رأس واو صغيرة علامة على الضمة .. ) .
* ألم يستطيع الله بقوله كن فيكون القرأن منزلا بفتراته مشكلا ومنقطا ، وفق قدرة الله ، وتأكيدا للأية التالية : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ/ .سورة البقرة 117 ) ، وهنا لا حاجة لا للدؤلي ولا للفراهيدي !! .
5 . أن كتابة القرأن كان في زمن عثمان بن عفان ، وذلك ( في السنة الخامسة والعشرين ، وسببه اختلاف الناس في القراءة بحسب اختلاف الصحف التي في أيدي الصحابة فخيفت الفتنة .. / نقل من الموقع التالي : www.denana.com ) ، وهذا الأمر يجعلنا أن نتساءل بوضع القرأن المكتوب لاحقا ، لأختلاف النصوص بين المحفوظ في ذاكرة الصحابة وبين المكتوب في الصحف / الرقاع والجلود .. ، المودع لدى زوجة الرسول ” حفصة بنت عمر ” وبين ما أتفق عليه لاحقا رهط كتبة القرأن الأوائل ، وهم ” زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ” ! هذا من جانب . ومن جانب اخر ، قد كان هدف الخليفة عثمان من كتابة القرأن ومن ثم أرساله للأمصار ، هدفا سياسيا ، وهو تثبيت الدولة والحكم والسلطة من وراء ستار الدين / القرأن ، وليس الهدف دينيا وعقائديا ، ولو كان كذلك لكتب القرأن في حقبة وعهد الرسول وبحياته ، ولم كتب بعد وفاة الرسول بسنين ! ، لأن الرسول أولى بهذا الأمر من غيره ! .
6 . ولكن النقطة ( 5 ) أعلاه ، نسفها د . آحمد صبحي منصور (*) نسفا ، حيث يقول في موقعه / نقل بأختصار : (( أن الرسول محمد ، كان يقرأ ويكتب ، وهو الذي كتب القرأن : إن القرأن الكريم يؤكد على أن النبي محمدا كان يقرأ ويكتب ، فأول ما نزل للقرأن هو امر إلهي : ( اقرأ ) ، والله تعالي لا يأمره بالقراءة إلا إذا كان قارئا ولا نتصور عقلأ ان يقول له ربه : ( اقرأ ) فيرفض قائلأ ( ما انا بقارئ ) ، كما لا نتصور عقلا ان يكون ذلك الراوي لتلك الرواية حاضرا مع النبي محمد حين نزلت عليه الآية ، وحتى لو حضر فكيف يسمع حوار الوحي . إذن هي رواية ملفقة ..)) ، من جانب أخر يؤكد الدكتور منصور على أن الرسول كان يقرأ الصحف ، ويبن (( .. والقرآن يؤكد على ان النبى محمدا كان يقرأ القرآن من صحف مكتوب فيها القرآن : ( رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ) “البينة 2” اى كان يتلو بنفسه من صحف ، وليس من أوراق الشجر او الاحجار او الرقاع )) – نقل من مقال للدكتور آحمد صبحي منصور- الأحد 06 اغسطس 2006 / موقع أهل القرأن .
* وهنا نكون أمام أزمة أكبر وأضخم من النقاط الأنفة الذكر ، لأن مفكر بوزن ومكانة د . أحمد صبحي منصور ، لا يمكن أن يقول قولا على هواه ، ألا أذا كان مسندا ، كما أكد ذلك في الأية أعلاه التي توثق وتؤكد ما قال ! .
الخاتمة :
* في هذه الخاتمة لهذا البحث المختصر ، سأطرح بعضا من التساؤلات : لم لم يأمر الله محمدا بكتابة القرأن ! ، من أجل الأستمرار والتواصل ، خاصة من بالنسبة للأجيال القادمة .. ولو لم يباشر عثمان بكتابة القرأن ما الذي كان سيحدث ! ، وهل من الناحية العملية أن يكون الأصل للقرأن هو ” التلاوة وليس الكتابة ” ! .. أيعقل أن يبقى القرأن محفوظا بالصدور الى الأبد ! ، وأن بقى كذلك ، كيف يمكن التواصل معه كعقيدة ودين بعد 100 عام مثلا ! ، فكيف الحال الأن والقرأن قد مضى عليه مكتوبا أكثر من 14 قرنا ! ، ولو كان العرب معتمدين على الشفاهية ، لعدم وجود لغة كاملة للكتابة ، لم لم ينزله الله مكتوبا منذ البدأ ، حلا للأزمة ! .. ونرجع هنا الى نفس التساؤل الأول ، لم لم ينزل الله القران مكتوبا كالتورة !! .
* ومن جانب أخر – بتعاقب الزمن ، ووقوع الكوارث والحروب ، وتبدل الحكام والسلاطين والأمراء وتعاقب الكتاب والنساخ والفقهاء ورجال الدين / خاصة المحكومين من قبل الحاكم ، وتغير وسائل الكتابة ، والأهم من كل ذلك تطور الكتابة نفسها ، كلغة معتمدة كلغة اليوم – قراءة وكتابة ، من كل ذلك وغيره من تبدل الظروف ، وأختلاف وتباين الثقافات ، ونشوء المذاهب ، وبروز الطوائف ، من يقول من أن : ( قرأن عثمان ) هو نفس ( قرأن اليوم ) ! .
——————————————————
(*) أحمد صبحي منصور ، هو مفكر إسلامي مصري. كان يعمل مدرسًا في جامعة الأزهر ، لكنه فُصل في الثمانينيات بسبب إنكاره للسنة القولية ، وتأسيسه المنهج القرآني الذي يكتفي بالقرآن مصدرًا وحيدًا للتشريع الإسلامي . الان مستقر في الولايات المتحدة .. أنشأ مركزه الخاص تحت اسم المركز العالمي للقرآن الكريم . وينشط الدكتور منصور الآن في نشر مقالاته في بعض مواقع الإنترنت ، واشتهر الدكتور منصور بموقفه المعارض لفكر الجماعات الإسلامية / نقل بتصرف من الويكيبيديا .