يوسف تيلجي
المقدمة
قبل تناول الموضوع ، أرى من الضروري أن نقدم تمهيدا أوليا له ، وذلك عن طريق عرض أو أستهلال أولي للمفردتين المحورتين في العقيدة الأسلامية ، ألا وهما
أولا – الموروث الأسلامي ، أن أصل كلمة تراث / موروث ، في اللغة من مادة ( ورث ) التي تدور حول ” ما يتركه الإنسان لمن بعده ” ، والموروث الأسلامي هو مصطلح شامل يتسع لكل ما له علاقة بالإسلام من نصوص القرآن والسنة النبوية واجتهادات العلماء السابقين في فهم هذه النصوص وتطبيقها على الواقع ، وقد حصل خلاف حول ما إذا كان هذا التراث دينا مقدسا يجب الالتزام به ، أو نصوصا واجتهادات مرتبطة بأزمانها وأماكنها الغابرة ، تعامل على أنها تاريخ ينقل لنا تجربة بشرية قابلة للنقد والنقض والتعديل والتطوير بما يتناسب مع الزمان والمكان والظروف الخاصة بكل عصر . / نقل من الويكيبيديا.
ثانيا – الفقه ، أن معنى الفقه لغة – قال فى الصحاح : الفقه الفهم . قال أعرابى لعيسى بن عمر : شهدت عليك بالفقه . تقول منه فقه الرجل بالكسر ، وفلان لا يفقه ولا ينقه ( أى يفهم ) وفى القاموس المحيط : الفقه بالكسر العلم بالشىء والفهم له . وفى المصباح المنير الفقه فهم الشىء . قال ابن فارس : وكل علم لشىء فهو فقه . فالفقه هو الفهم لما ظهر أو خفى ، قولا كان أو غير قول ، ومن ذلك قول الكتاب الكريم : { ما نفقه كثيرا مما تقول } (1)، { ولكن لا تفقهون تسبيحهم }(2)
النص
ليس من موروث دينيا ماضويا ، يتقاطر الدم من على جنباته ومعبأءة نصوصه في ألغاء الأخر ومنغلق على نفسه .. كالموروث الأسلامي ، هذا الموروث وبكل ما أضيف أليه من قبل السلف والأولين حتى فقهاء ومشايخ المحدثين الى رجال ودعاة الأسلام اليوم .. ، لا زال ينهل متخبطا من جلباب عهد الدعوة المحمدية ، فهو موروث لم يأتي بجديد في مجال التعايش والتأقلم وقبول المجتمعات المغايرة لثقافته ! ، لأنه أصلا لم يكن بحد ذاته أضافة للحضارة الأنسانية ، وذلك لأنه أستمر يفسر / حسب فهم وميل ونهج الفقهاء والشيوخ ، بعيدا عن العقلانية ، وبما يتماشى مع عقيدة الأسلام ، في حلقة النصوص القرأنية والسنة النبوية وأحاديث الرسول ، التي يغلب على بعض نصوصها طابع التوحش والقتل ، حتى جعلني أرى أنه موروثا أوجد مفهوما للقتل ، تحت مسمى ” فقه العنف
القراءة
أولا – نحن في هذا المقام لسنا بصدد عرض ونقد الموروث الأسلامي كاملا ، الذي يحتاج الى عشرات الكتب ، الذي تثقف بعضا من نصوصه بالعنف المفرط المتوحش الغير مسبب !! ، ولكن سأعرض أضاءأت مقتضبة وحسب مقتضيات المقال
ثانيا – أن العنف أراه أخذ صيغة من الفقه / الفهم ، وهو ربط هذا العنف المتوحش بالموروث الأسلامي / بما يضم من نصوص وروايات ! ، وهذا هو الذي نراه في شناعة المنظمات الأسلامية الأرهابية اليوم بدءا من القاعدة وصولا الى النصرة وداعش ، أن كل ما يمارس من توحش / صلب وحرق وسحل .. ، له أوليات وسوابق في الموروث الأسلامي ، بدءا من زمن الحقبة النبوية وما بعدها
ثالثا – تساؤل كيف يستقيم الحال / مثلا ، مع الوضع المجتمعي اليوم وفق حديث الرسول التالي ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم بحق الإسلام وحسابهم على الله / روي الحديث عن أبن عمر و أبي هريرة ) ، وكيف يمكن أن يستقبل المتلقي لهكذا حديث / بعيدا عن تجميل تفاسير المفسرين ! ، لأن الحديث محدد في أيطار لا خيار فيه أما الأسلام وأما القتل
رابعا – وفي نص قرأني أخر ، يصف الله الرسول بالتالي (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ107 / سورة الأنبياء ) ، هنا من الضروري أن نتساءل كيف لهذا الرسول أن ينقل عن حديثه ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .. ) ، وبذات الوقت ، يقول الله عنه أنه ” رحمة للعالمين ” ! ، أرى وجود تناقضا بنيويا في الوضع المعلوماتي لشخصية للرسول ، من جهة ، وبالسياق العام للموروث الاسلامي ، هذا من جهة أخرى ! ، وذلك لأن الرحمة لا يمكن أن تتفق مع سياق الحديث أنف الذكر ، وهنا أيضا المتلقي / المطلع خاصة ، سيقف مشدوها وحائرا في أستيعاب هكذا نصوص متضاددة
خامسا – يمكن القول أن بواكير العنف والتوحش في الأنتقام والمروي عنه في الموروث الأسلامي كان في مقتل أم قرفة / بأمر مباشر من رسول الأسلام ( وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر بن عمرو الفزارية من قبيلة بني فزارة . وكانت شاعرة من أعز العرب ممن يُضرب بهم المثل في العزة والمنعة فيقال : ” أعز من أم قرفة “. وإذا تشاجرت قبيلتها مع غطفان بعثت خمارها على رمح فيصطلحون ، كانت أم قرفة تؤلب الناس على النبي محمد .. قال حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني ابن إسحاق عن عبدالله بن أبي بكر قال : أرسل في السنة السادسة للهجرة زيداً بن حارثة في سرية فقتلها ، إذ ربط رجيلها بحبل ثم ربطهما بين بعيرين حتى شقها شقاً ، وكانت عجوزاً كبيرةً . ثم حُمل رأسها إلى المدينة ليُعلم أنها قتلت / نقل بتصرف من موقعي ملتقى أهل الحديث والويكيبيديا ) ، هل ما يقوم به الأن الأرهاب بعيدا عن شناعة قتل ” أم قرفة ” !! ، ام أنه متوافق مع ما حصل قبل أكثر من 14 قرنا ، أذن هناك موروث ديني لما يحدث اليوم ، يستند عليه الأرهاب كمرجعية لما يقوم به من أفعال وحشية
سادسا – وفي جانب أخر ، نفس الموروث الأسلامي ينقل عن علي بن ابي طالب / أبن عم الرسول وصهره ، ” أنه قال : ( اللهم اجعلني مظلوما ولا تجعلني ظالما ) لأن المظلوم سوف يأخذ الله حقه من الظالم وان اخذه ( اخذ عزيز مقتدر ) .. / نقل من موقع منتديات يا حسين ” ، والتساؤل كيف لعلي / وهو من آل بيت الرسول ، والذي كان متلازما ومصاحبا مع الرسول ، ومرافقا له ليل نهار ، أن لا يؤمن بالأنتقام ويترك أمره لله ، وصاحب الدعوة / الرسول ، بنفسه ينتقم وبأفظع أنتقام – بقتل ام قرفة ! ، علما أن علاقة الرجلين / الرسول وعلي ، ” أقرب من حبل الوريد
سابعا – كما أن النص القرأني يقدم لنا صورة وحشية عن الله ، لا يمكن للأنسان أن يتصورها ، لأنه يقدم للمتلقي أن الله معذب للبشر ، وهو صفة الرحمة والغفران والمحبة ، وأرى أن هذا الأمر أوقع النص القرأني في أشكالية بنيوية بحد ذاته من التوحش والعنف !! ، والأية التالية مثال على ذلك ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) / سورة النساء ” .. وفي تفسير الطبري للأية / أنقله بأختصار : ( قال أبو جعفر : هذا وعيد من الله للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنـزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار ، وبرسوله . يقول الله لهم : إن الذين جحدوا ما أنـزلتُ على رسولي محمد ، من آياتي ، يعني : من آيات تنـزيله ، ووَحي كتابه ، وهي دلالاته وحججه على صدق محمد فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به ، سوف نصليهم نارًا “، يقول : سوف ننضجهم في نارٍ يُصلون فيها ، أي يشوون فيها “ كلما نضجت جلودهم “، يقول : كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت ” بدلناهم جلودًا غيرها “، يعني : غير الجلود التي قد نضجت فانشوت .. )
خاتمة
الموروث الأسلامي ، بكل ما به من مواضيع أشكالية وخلافية ، كالجهاد مثلا ، وفق كم هائل من النصوص ، كالأية التالية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 35 / سورة المائدة ) ، أضافة الى موروث يتعلق ب : قتل الأسرى والجزية وأسلمة العالم وألغاء الأخر والتكفير وغيرها الكثير .. التساؤل كيف لهكذا موروث أن يتفق ويتسق مع العلاقات المجتمعية لعالم القرن الواحد والعشرين ! ، وكيف لهكذا موروث أن يقبل أنسانيا ، أو أن يكون ضمن التراث الحضاري ! أو أن يكون أضافة له ، وهو يصوغ ويشرعن كل عمليات الأرهاب ، حتى وسم هذا التوحش من قبل العصابات الأرهابية بأنه متفقها وفق الموروث الديني الأسلامي