يوسف تيلجي
أستهلال
في هذا البحث المختصر سأتناول بقراءة موضوعية حديثين لرسول الأسلام ، كنموذج للتناقض، ومن ثم سأسرد رؤيتي العقلانية الخاصة لهما
النص
في موضوعة دخول المسلمين للجنة ، هناك أكثر من أية وحديث وسردية ورواية و .. ، وأخترت في هذا المقام حديثين رئيسيين / مثيرين للجدل ، مع طرح أحاديث أخرى بنفس الصدد
أ: روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس عن النبي : “عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا ؟ أُمَّتِي هَذِهِ ؟ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللـَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ فَبَلَغَ النَّبِيَّ فَخَرَجَ فَقَالَ : هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ “. رواه البخاري 5270 .
ولكن تفسير المفسرين لا يتفق مع قول الرسول حيث أنهم يضيفون للحديث ” أن هذه هي الفئة ذو المنزلة العالية ” : ومقصود الحديث بيان أن هنالك فئة من هذه الأمة يدخلون الجنة من غير حساب لا لأن عدد أهل الجنة من هذه الأمة سبعون ألفا ، فهؤلاء السبعون ألفا المشار إليهم في الحديث هم ذو منزلة عالية من هذه الأمة لمزايا خاصة اختصوا بها ذكرت في الحديث ، وهي : ” هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون
و في حديث أخر ، يختلف العدد للذين يدخلون الجنة من المسلمين من 70 ألف الى 700 ألف ، كالحديث التالي : وجاء في وصفهم أيضا .. عن حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ : ” لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ ( شكّ أحد رواة الحديث ) لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْر” / رواه البخاري
وفي حديث أخر يختلف العدد أيضا ويصنف أضافة لذلك حسب الأمم
، ثم أكمل الرسول في الحديث الصحيح الآخر الذي قال فيه : ” أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ . ” رواه الترمذي 3469 وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
نقلت الأحاديث / بأختصار وتصرف ، من موقع / الأسلام سؤال وجواب ، مع أضافات الكاتب
ب: وفي نفس موضوعة دخول المسلمين للجنة .. يورد موقع / الرئاسة العامة للبحوث والافتاء – للمملكة العربية السعودية ، التالي .. هناك حديث أورده شيخ الإِسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه [ مختصر سيرة الرسول ] ؛ وهو قوله : ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة . وهناك تساؤلات يوردها نفس المصدر حول هذا الحديث ، أنقلها بأختصار ، وهي كما يلي
” من هي الفرقة الناجية المشار إليها في الحديث ؟ وهل تدخل الفرق الأخرى غير أهل الحديث كالشيعة، والشافعية، والحنفية، والتيجانية وغيرها في الاثنتين والسبعين فرقة التي نص الرسول على أنها في النار ؟ وإذا كانت هذه الفرق في النار إلاَّ واحدة فكيف تسمحون لهم بزيارة بيت الـله الحرام؟ هل كان الإِمام الكبير على خطأ أم قد حدتم عن الجادة المستقيمة ؟
وفي رواية أخرى على ثلاث وسبعين ملة، وفي رواية : الطبراني برقم (724) ، في [ الصغير ] ، والترمذي برقم(2643) قالوا : يا رسول الـله ، من الفرقة الناجية ؟ قال : من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ، وفي رواية قال : هي الجماعة ، يد الـله على الجماعة
الرؤية
بالنسبة للحديث الأول / الذين يدخلون الجنة ، والموصوفين من قبل الرسول ب ( هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) .. تحليلي للحديث ، وحسب رؤيتي لبنية ومفهوم النص ، أبين التالي من الأضاءأت
أولا – الرواة أضافوا لهذا الوصف التالي ( هؤلاء هم الفئة ذو المنزلة العالية ) ، وذلك لكي يبين المفسرون أن الذين يدخلون الجنة أعدادا أخرى من المسلمين غير ما ذكر ، و السبعين ألف هم فقط المميزون !! ، أي غاية التفسير هو الزيادة العددية لأهل الجنة من المسلمين
ثانيا – وتفسير أخر للرواة أن عدد الذين يدخلون الجنة من المسلمين هو 700 ألف وليس 70 ألف !! . وهنا الرقم يختلف من أجل الزيادة العددية أيضا للمسلمين ، ومن الممكن أن يكون هذا الحديث لاحق ومضاف زمنيا للحديث الاول
ثالثا – أما رواية ” التلمذي ” فيضيف التالي ، أن أهل الجنة 120 صفا ، 80 صفا من هذه الأمة و 40 صفا من باقي الأمم ، وهنا يتفنن الرواة في التفسير والأضافات ، حيث يطلقون الحديث دون تحديد رقم عدد الداخلين للجنة من المسلمين ، كما أنهم لم يبينوا كم عدد كل صف ! ثم يضيفوا ” تمييزا عرقيا وأثنيا وقوميا ” أخر لأمة محمد ، وهو أن 80 صفا لهم ولباقي الأمم 40 صفا
رابعا – ملاحظة مهمة وهو أن الحديث الأساس يختلف في المعنى والمفهوم عن باقي الأحاديث المكملة أو الملحقة له ، وهذا الأمر يجعلنا أن نستخلص أن ما كتب ليس من بأجماله من أقوال الرسول بل هو من أقوال الرواة
اما بالنسبة للحديث الثاني : قول الرسول ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاَّ واحدة ، فلي بعض الأضاءأت التحليلية بخصوصه: كالاتي
أولا – من هي الفرقة الناجية ! ، فليس هناك من تحديد موضوعي وعقلي مفهوم للفرقة الناجية ، وحتى حديث الرسول الملحق القائل ، ( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) أو هي الجماعة ، يد الـله على الجماعة . فأي جماعة المقصود بها ، فأذا كان المقصود مثل الرسول وأصحابه / جماعته ، فحتى سلفيي ووهابي اليوم هم ليسوا كالرسول وأصحابه زمن الدعوة المحمدية ، ألا المنظمات الأرهابية كداعش !! ، وهذا الأمر يقودنا الى أستنتاج خطير ، الى أن الكل في النار لأن ليس كمثل صحابة الرسول في عالم اليوم !! ، الذين كانوا يغزون ويسبون ويأخذون الجزية من أهل الذمة !
ثانيا – عامة الحديث الأول يناقض الثاني ، هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية ليس من سياق توافقي عقلي بين الحديثين ، فالأول عامة محدد برقم عددي ، أما الثاني فبناؤه النصي مجهول ويختلف عن بنية النص الأول !!
ثالثا – الحديث الثاني يدخلنا في متاهة حول مصير 72 فرقة أو ملة الباقية من المسلمين ! ، الذي مصيرهم النار ، وهنا يقوم الرسول محمد مقام الـله، وذلك في تحديد من يدخل الجنة
رابعا – أن فكر وعقلية ومنظور كاتب الحديثين مختلف ! لأجله أرى أن أحد الحديثين ليس للرسول ، ومن الممكن أن يكون الحديثين معا ليس من قول الرسول ، وهذه هي الأشكالية في أحاديث الرسول ، التي كتبت بعد الرسول بعشرات السنين ! . وقد جاء في موقع الويكيبيديا ، حول زمن كتابة الأحاديث التالي ( مرت عملية تدوين الأحاديث بمراحل عدة بدأت فعليًا مع القرن الثاني للهجرة حيث بدأت الخطوات الأولى لتدوين الحديث بكتابته بعد أن كان مقصورًا على المشافهة )
رؤية الختام
تشكل الأحاديث النبوية أحد الأساسيات الرئيسية للموروث الأسلامي ، و الأحاديث بحد ذاتها هي أحد أعقد الأشكاليات في الأسلام كعقيدة ، وذلك لعدم التأكد من قائلها ومن كتابتها ومن صحتها ومن عددها ومن زمنها ، وذلك لأنها معتمدة عامة على صحيح البخاري ، الذي أنتقى أحاديثه من 600 ألف حديث للرسول !!! ، ويقول (ابن الصلاح والنووي ) أن عدد أحاديثه الصحيحة هو ( 7275) حديثًا ، وبدون المكرر أربعة آلاف ، أما ( أبن حجر ) فيقول أن مجموع الأحاديث هو ( 2761 ) حديث .. ولهذه الأشكاليات أذن ليس من مصداقية من كل الأحاديث بشكل عام ! ، وأن ما ذكر من معلومات حول أحاديث البخاري ، وكيفية تنقيتها ، ينعكس على ما ذكرت من أحاديث / موضوع المقال ، من ناحية المصداقية والدقة ، وأخيرا .. ليس كل الاحاديث المتداولة في المصادر ، مرجعها للرسول !! ، وذلك لأن الرسول نفسه قد نهى عن كتابة الأحاديث ! ، وقد جاء في الموقع التالي ، https://www.tunisia-sat.com ، ما يلي ( لم يكن الناس في أول عهد النبي يكتبون حديثه وكلامه ، بل ورد ما يدل على أنه نهى عن هذا فقد روى مسلم في “صحيحه” (18/129 شرح النووي) عن أبي سعيد الخدري أنه قال: لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . ) .. أذن ما مصدر الأحاديث المتداولة اليوم