بقلم : حسيب عم بولص
بعد قيام الانكليز باحتلال العراق عام 1917م وطرد القوات العثمانية منه، وجلب الاثوريين النساطرة الناجين من الابادة الجماعية في جنوب تركيا الى العراق، قاموا بالبحث عن منطقة أو بقعة ارض مناسبة في الشمال العراقي الذي يهدفون الى السيطرة عليه من خلال أيواء هؤلاء النساطرة وتأسيس وطن قومي أو دولة اشور الكبرى لهم فيه، علماً بأنهم كانوا قد وعدوهم بأقامة هذه الدولة في جنوب تركيا مقابل وقوفهم الى جانب الحلفاء في حربهم ضد الدولة العثمانية، ولكنهم لم يفوا بوعدهم بعد انتهاء الحرب، الا انهم لاحظوا بأن المناطق الشمالية للعراق جميعها تخضع لسيطرة شعوب واقوام عديدة من مختلف الأعراق والجنسيات منها العرب والاكراد والكلدان والسريان، وان كل قوم من هذه ألأقوام يعيش نوعا ما في منطقة بشكل منفصل عن الاقوام الاخرى في الشمال، وعليه كان يتوجب على الانكليز الذين اخذوا على عاتقهم اقامة دولة اشورية في شمال العراق للأثوريين القادمين من تركيا، التحرك واجراء تفاوض مع كل شعب من هذه الشعوب بشكل منفرد، وأتباع اسلوب التضليل والخداع في تعاملهم معها، لكي يتمكنوا على الاقل من اشورة شعب واحد منها واسكان ودمج الاثوريين النساطرة معهم واعلان قيام دولة لهم تحمل اسم اشور الكبرى تحتضنهم جميعاً.
فبدأوا بالتبشير بفكرة الاشورية المزيفة مع أهل الموصل الذين غالبيتهم ينتمون الى اصول عربية، حيث حاول الحاكم الانكليزي السياسي لمدينة الموصل الكولونيل ليجمن في السنة الاولى للأحتلال الانكليزي لهذه المدينة عام 1918م اقناعهم بأنهم ينحدرون من اصول اشورية او انهم من احفاد الاشوريين القدماء عندما تحدث اليهم قائلاً، “إنكم مِن اصول الآثوريين، وإني لَمُستغرب مِن عدم دِرايـتِكم بتاريخ أجـدادِكم ولا عِلمَ لكم بكونِهـم أحفاد الآشوريين الذين شَيَّـدوا مجدَ نينوى”، الا انهم رفضوا فكرة تنسيبهم الى سلالة الاشوريين القدماء، حيث قالوا له: “نحن أحفاد عرب الفتوحات ونعلم جيداً أن أسلافنا عند مجيئِهم الى الموصل لم يجدوا فيها سوى الفرس المجوس يسكنون في محلة، والمحلة الثانية كان يسكنُها المسيحيون الجرامقة”، أي أكدو له بانهم ينحدرون من اصول عربية، وقد قدموا الى الموصل في فترة الفتوحات العربية الاسلامية ولا علاقة لهم باشوريي نينوى الذين اختفى وجودهم بشكل كامل من شمال بلاد ما بين النهرين منذ عام 612 ق.م بعد ان تمت ابادتهم عن بكرة ابيهم من قبل الكلدان وقائدهم نبوخذنصر الكلداني.
اما الاكراد المسلمون في الشمال العراقي فلم يتمكن الانكليز حينها من التفاوض معهم في هذا الشأن واقناعهم في تبني الهوية الاشورية او في تغيير هويتهم الكردية الى الاشورية المزيفة، وذلك لان الأكراد قاموا بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى في عام 1919، بأنتفاضة ضدهم بسبب دخولهم واحتلالهم للمناطق الخاضعة لنفوذهم في الشمال العراقي، ولأن الأنكليز ارادوا استقطاع أجزاء من هذه المناطق في سبيل أنشاء وطن قومي للأثوريين النساطرة فيها وبالتحديد في منطقة بهدينان (محافظة دهوك)، و كذلك لان الاكراد بدأوا يتخوفون من احتمال لجوء الانكليز الى تهجيرهم وابعادهم عنها خصوصاً بعد احتلال مدينة العمادية التابعة لمحافظة دهوك، وتوطين واسكان هؤلاء النساطرة فيها.
حاول الانكليز بعد ذلك ان يدمجوا الاثوريين النساطرة مع الكلدان والسريان الذين يسكنون في سهل نينوى، ويقيموا دولة كلدو-اشور في منطقتهم هذه، الا ان أميرة الاثوريين النسطورية اليهودية سورمة خانم رفضت قيام هذه الدولة التي كان من المفروض ان تضم الأثوريين النساطرة وكلدان العراق، لأنها لم تكن ترغب في ان يحكمها ويحكم قومها الكلدان او البابليون (اهل العراق الاصلاء)، وكذلك لأن الكلدان النساطرة لم يقفوا الى جانب قومها في تمردهم على الدولة التركية في جنوب تركيا، على الرغم من ان عشرات الالاف من هؤلاء الكلدان سقطوا قتلى بسببه.