يوسف تيلجي
“عقول الموتى لا يمكن أن يخلقوا فكرا حرا ، أنما الأفكار تخلق من عقول تنيرها مشاعل الحرية ” / كاتب المقال
المقدمة :
قبل الخوض في النص ، لا بد لنا أن نعرج قليلا على مفهوم العقل ، فالعقل يفسر على أنه ” عملية معالجة المعلومات ونشاطها في المخ ، والعقل هو ذلك الاسم الذي نطلقه على عملية التفاعل التي تحدث بين النفس والروح وهى عملية التفكير ، فالعقل بذلك لا يمثل أو يساويها ولكن يمثل العامل المنظم للشخصية ويمثل الكينونة في حد ذاتها ، ولكن العقل يبدو كظاهرة مزاجية متغيرة تعتمد أساساً على المثير الذي يصل إليها من البيئة الخارجية أو الداخلية . (*1) ” ، أما العقل لغة فهو ” الحِجْر والنُّهى ضِدُّ الحُمْق ، والمَعْقُول : ما تَعْقِله وتدركه بقلبك ، والعَقْلُ : التَّثَبُّت في الأُمور ، وسُمِّي العَقْلُ عَقْلاً لأَنه يَعْقِل صاحبَه عن التَّوَرُّط في المَهالِك أَي يَحْبِسه ، فالعاقِلُ هو الذي يَحْبِس نفسه ويَرُدُّها عن هواها ، وعَقَلَ الشيءَ يَعْقِلُه عَقْلاً : فَهِمه ، والعقل : المنع ، لمنعه صاحبه من العدول عن سواء السبيل . (*2) ” .
النص :
الموضوع ليس موضوعا لغويا ، أنه موضوع يتعلق بالحكم على الأشياء من خلال ” العقل ” ، ولكي ندخل الى صلب الموضوع ، لا بد لنا أن نأخذ نموذجا لغرض القياس ، وأرتأيت أن أسرد موضوع ( زواج الرسول من زينب بنت جحش ) ، كنموذح للقياس ، الذي سرد من خلال عدة روايات ، كعادة الموروث الأسلامي ، أخترت أحدها :
1- رأى النبي زينب بنت جحش / وهي بنت عمته ، و قال : ” سبحان الـله مقلب القلوب ” ، وأصل الواقعة ( يُروىَ أن النبي ، أتى زيدًا ذات يوم لحاجة فرأى زينب فوقعت في نفسه وأعجبه حسنها فقال : سبحان الـله مقلب القلوب . فأخبرت زينب زيدًا بذلك ففطن له فكرهها وطلقها بعد مراجعة النبي ، وقوله : ” أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ ” / نقل من الموقع التالي islam.webservices.tv ) .
2 . ولكي تبرر الواقعة معتقديا ، أي زواج الرسول من زينب فيما بعد ، نزلت الأية التالية ، ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّـَهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللـَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللـَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللّـَهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللّـَهِ مَفْعُولاً/ الأحزاب : 37 ) .
3 . ثم كان الحدث التالي ، وهو وقوع أمر تحريم التبني ، وفي ذات السورة ، وذلك حتى يتم الأمر بشكل ألهي ، فقد جاء في موقع أسلام ويب – مركز الفتوى التالي ( فإن تحريم التبني كان في السنة الخامسة ، وقيل في السنة الرابعة ، وهي السنة التي وقعت بها غزوة الأحزاب وزواج النبي بأم المؤمنين زينب بنت جحش، فلما تزوجها تكلم المنافقون فقالوا : ” تزوج محمد زوجة ابنه ” . فأنزل اللـه الآيات المبطلة للتبني في قوله تعالى : مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللّـَهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللـَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا/ الأحزاب : 40) .
4 . وقد تفاخرت زينب بنت جحش بزواجها من الرسول ، وقد روى البخاري في صحيحه ( برقم 7420 ) : أن زيداً جاء يشكوا زوجته ، فجعل النبي يقول : اتق اللـه وأمسك عليك زوجك ، قالت عائشة : لو كان الرسول كاتماً شيئاً ، لكتم هذه ، فكانت تفخر / زينب ، على أزواج النبي ، تقول : زوجكن أهاليكن ، وزوجني الـله من فوق سبع سماوات .. وهذا أنحراف فكري أخر ، فهل يعقل أن الـله من مهامه : أن يطلق ويزوج البشر !! .
القراءة :
أولا – وفق المعتقد الأسلامي أن القرأن ثابت ، موجود ومحفوظ منذ الأزل ، لم يمسسه أي تغيير ، وذلك وفق الأية التالية ” ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيد ( 21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) 22 / سورة البروج “.
ثانيا – وتفسير الأية وفق الطبري (*3 ) كما يلي / نقل بتصرف : (( وقوله: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ، يقول تعالى ذكره : هو قرآن كريم مُثْبَت في لوح محفوظ . وقد حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان عن منصور ، عن مجاهد ( فِي لَوْحٍ ) قال : في أمّ الكتاب . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) عند اللـه . وقال آخرون : إنما قيل محفوظ لأنه في جبهة إسرافيل ، ذكر من قال ذلك : حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : سمعت قرة بن سليمان ، قال : ثنا حرب بن سريج ، قال : ثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك ، في قوله : بلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ، قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الـله ، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ، في جَبْهَة إسرافيل . )) .
ثالثا – ليس من المنطق والعقلانية ، أن يكون القرأن ، محفوظ لدى الـله ” في لوح محفوظ ” ، وذلك لأن العقل لا يمكن أن يتقبل هكذا أمر ، هل يعقل أن نفهم أن كل هذه التغييرات كانت مكتوبة عند اللـه ، من زواج زيد بن محمد من زينب بنت جحش ، ثم وقوع الرسول في هواها ، فتطليق زيد لها ” بعد قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً ” ، ومن ثم نزول الأيات في سورة الأحزاب تباعا وبما يتفق مع الرواية !! ، أن العقل يرفض وينهي عن هذا التسلسل الزمني الماضوي للأحداث ، لأنه غير عقلاني .
رابعا – أرى أن الأيات القرأنية هي نتاج الواقع والأحداث ، ولا يمكن أن تكون الأيات ” في اللوح المحفوظ ” ، منذ الأزل ، أن التفكير الأنساني عامة يتأثر بالمتغيرات الخارجية والداخلية وفق العوامل الزمنية والظرفية بأختلاف المواقع وتغيير المكان ، والعقل ينهي عن قبول أو أستيعاب هكذا معطيات ليست منطقية للأحداث .
خامسا – من الضروري تحرير العقل من الأصل القديم ، خاصة الأصل الديني ، وبنفس الوقت ليس من العقلانية بمكان أحلال هذا الأصل بأصل أخر ، ونكون بهذا قد رجعنا مرة أخرى الى نقطة البداية ، والنتيجة ستكون نفسها أي تقييد أخر للفكر .
سادسا – التفكير الديني فرض على المسلمين مبدأ ” القولبة ” ، وهذا عملا غير عقلاني ! ، لأنه لا يمكن قبول الحقائق على أنها أزلية ، والعقل يفرض على تفكيرنا بأنها نتيجة أحداث ووقائع وقعت في حينها ، وكان لها ظروفها الخاصة ومعطياتها المحددة التي حدثت بزمن وظرف ومكان معلوم ومحدد .
سابعا – العقل الماضوي ، الأسلامي خاصة ، أوقع الفكرعامة في مهاوي وتهالك ومنعرجات لا نهاية لها ، مما أثر على عقل الفرد ، وأنعكس هذا كله على صورة المجتمع عامة ، كل ذلك بنهج وهابي متطرف ، ويقود هذا الأمر رجال وشيوخ ودعاة الدين ، ويقف في مقدمتهم شيوخ السعودية ، الذين يفكرون بمنهج ديني ماضوي ، قد قضت دلالاته وأنزوت معتقداته ، معتقدات أرهبت ليس فقط الذين يدينون بغير الأسلام ، أي حسب فكرهم الكفرة ، بل أرهبت المسلمين أنفسهم من غير المذاهب !!.
ثامنا – شيوخ الأسلام ، وضعوا غشاوة على عيون المسلمين ، وحجروا على تفكيرهم ، ولكن العقل لا زال يعمل ، وسوف ينتفض العقل فكرا حرا ، محطما الأصنام الماضوية عند أول حراك !
(*1) نقل المفهوم من الموقع التالي www.abahe.co.uk .
(*2) نقل من موقع موقع التزكية .
(*3) نقل بتصرف من الموقع التالي quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura85-aya22.html .