Articles Arabic

وجهاً لوجه مع الانجـيل ـ الجـزء الثالث

الاب بيتر لورنس

مرقس 8: 1-21

“فنسي التلاميذ ان يأخذوا خبزاً، ولم يكن عندهم في السفينة سوى رغيف واحد، واخذ يسوع يوصيهم فيقول: تبصروا واحذروا خمير الفريسيين وخمير هيرودس! فجعلوا يتجادلون لانه لا خبز عندهم. فشعر يسوع بأمرهم فقال لهم: ما بالكم تتجادلون لانه لا خبز عندكم؟ ألم تدركوا حتى الان وتفهموا؟ ألكم قلوب قاسية؟ ألكم عيون ولا تبصرون وآذان ولا تسمعون؟ ألا تذكرون، إذ كسرت الارغفة الخمسة للخمسة الآلاف، كم قفةً مملؤة كسراً رفعتم؟ قالوا له: اثني عشر، وإذ كسرت الارغفة السبعة للاربعة الآلاف، كم سلة من الكسر رفعتم؟ قالوا له: سبعة. فقال لهم: ألم تفهموا حتى الان؟”.

مقدمة:

في نص الانجيلي مرقص هذا موضوعين، الاول تحذير من خمير الفريسيين وهيرودس، والثاني توبيخ للتلاميذ على عدم فهمهم لربهم. الموضوعين يصبون في دائرة واحدة وهي عدم الايمان بالـله. لكن نية كلٍ منهما تختلف عن الآخر.

إحذروا خمير الفريسيين وهيرودس:

الرب يسوع يحذر تلاميذه من خمير الفريسيين وهيرودس، لانه كان يعلم جيداً ان المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية وصلت الى ذروتها من الفساد، بحيث ان ظاهرها يلبس حلة دينية متألهة بصفة إلاهها، لكنها بعيدة عنه بداخلها. وحلة سياسية مستعمرة تلبس صفة خدمة لشعبها. كلاهما وجهان لعملة واحدة، يعملون لمصلحتهم ويصنعون ممالك لنفوسهم حتى يمجدهم الناس.

الاثنان يبتعدون كل البعد عن الهدف الحقيقي الذي رسمه الـله في مملكة اسرائيل. هدف الـله الخلاصي هو: شعب يؤمن به بحرية ابناء الـله، يدافع عن الحق ويتخلص من عبوديته وخطيئته، وتبقى صفته مرتبطة بخالقه الذي خلقه على صورته ومثاله، هذا دور المؤسسة الدينية التي يجب عليها ان تـقـوّم هذا المفهوم الالهي داخل الانسان المؤمن. والمؤسسة السياسية التي بدورها تخدم البشر بمختلف توجهاتها في ان يرتقي الى الملك الالهي عندما يصبح حراً وواعـياً ومثـقـفاً. المؤسستان تخدم الانسان حتى يصل الى الـله. إلا اذا أراد الانسان بمحض حريته ان يختار له طريقاً أخـرى تختلف عن خطة الـله الخلاصية للبشر. الرب يسوع يريد ان يحذرنا من نية المؤسستين التي زاحـت بفعـلها عن خطة اللـه الخلاصية، الرب يسوع يريد ابناء كنيسته ان يكونوا واعين ومدركـين ان الحق وحده يحررهم ويجعلهم ابناء الـله.

كنيسة الرب يسوع تعرفه لكن لا تؤمن به:

بالرغم من وجود تلاميذ الرب يسوع بالقرب منه في السفينة، لكنهم مشغولون بأمرٍ آخر خارج جوهر الموضوع الذي يحدثهم به (خمير الفريسيين وهيرودس). الرب يسوع هنا يوبخ التلاميذ على عدم فهمهم لرسالته الخلاصية، وعدم ايمانهم وثقتهم به، لذا يعرض امامهم أعماله الخلاصية ويشهد بها حتى يرجعهم الى الادراك والفهم والوعي على عمل الخلاص (ألم تدركوا حتى الان وتفهموا؟ ألكم قلوب قاسية ). الرب يسوع عندما يرى تلاميذه قريبـين منه بالجسد والحضور، لكنهم بعيدون منه بالفكر والايمان، يوبخهم بأسلوب تربوي واخلاقي ويرجعهم الى عقلهم وايمانهم دون المساس بكرامتهم وانسانيتهم (ألكم عيون ولا تبصرون، وآذان ولا تسمعون).

هذا النص من انجيل القديس مرقص يعطينا وحي جديد لتلاميذ كنيسته المقدسة، وهو: ان الرب يسوع موجود دائماً في كنيسته بواسطة روحه القدوس، لكن تلاميذ وابناء الكنيسة لهم حضور وانتماء جسدي بعيد عن فكره الخلاصي والايماني. لان رجال الكنيسة وابنائها مشغولون في أمور الدنيا وسياساتها وسلطتها ومادياتها، وتناسوا شهادة الانجيل.

إنّ بُـعـدنا عن الانجيل، أي غياب روح الانجيل من حياتنا، يؤدي بنا الى الفراغ والتمسك بتفاهات هذا العالم، والخروج عن جوهر العمل الخلاصي بواسطة الرب يسوع. ان بعض رجال الدين في الكنيسة مسجـلـون غياب عن جوهر كنيسة يسوع الخلاصية بحجة (ليس عندنا خبز)، ويريدون ان يغيبوا شعبهم عن وجود ربهم الحقيقي خلف حججهم، ويظهروا وجه المحبة والطاعة والسلام والقانون والكلام المنمق والضحكة الصفراء والمعانقة بخداع، ويخفوا جوهر وهدف رسالة الخلاص. اليوم حقيقةً نحتاج الى انجيل الرب يسوع حتى يوبخنا ويرجعنا الى عقلنا وادراكنا بأسلوب تربوي وانساني. اليوم نحتاج الى الرب يسوع حتى نستطيع ان نرجع الى فهمنا الانجيلي بواسطة اعماله وتعليمه، بعيداً عن خمير رجال الدين والسياسيين. حقيقةً اليوم نحتاج الى عيون إلهية تجعلنا نبصر ونفهم ونؤمن، والى آذان تجعلنا ندرك ونتوجه نحو جوهر الخلاص في مسيرة نحو الملكوت ضمن عالم ملؤه الشر.

وجهاً لوجه مع الانجيل:

ان حضور رجال دين كنيستنا الكلدانية واضح وجلي في مكون الكنيسة المسيحانية، من باطريركها وإلى أساقفتها وكهنتها، لكنهم مغيبون بسبب تمسكهم بقشور العالم ومغرياته. تركوا جوهر موضوع الرب يسوع الخلاصي وتحذيره، وأخذوا على عاتقهم أمور السياسة والمادة والمصلحة، بحجة الخوف على شعبنا المسيحي، وتركوا ايمانهم وثقتهم بالرب يسوع. انا هنا لست بديان، حاشى، لكن واقع الحال يكشفهم. سياسياً يريدون أولى المقاعد وما تصبوا اليه مصالحهم، ودينياً كأنهم اصحاب السلطان الالهي في الامر والنهي ولا يستطيع واحد ان يقول لهم كفاً أحد، ومادياً حدث بلا حرج، جيوب واسعة لا تمتلىء إلا على حساب الغير، وحسد وغيرة قاتلة تجعلهم يدوسون من يواجههم في سبيل غاياتهم الشخصانية. حقيقةً انهم غائبون عن جوهر وروح الانجيل وعمل وتعليم الرب يسوع.

لذا الرب يسوع يحذر من هو بحضرته من خميرهم، ويبث روح الفهم والوعي الخلاصي لمن يرغب بالانضمام الى كنيسته وتكون له عيون تبصر، وآذان تسمع، حتى نشهد معه لاجل خلاص كنيستنا الكلدانية. ان تحذير وتوبيخ يسوع لنا اليوم هو علامة لتصحيح مسيرة الخلاص كما فعل هو مع الرسل عندما رآهم قد زاغوا عن طريقهم في الفكر والايمان.

 

Follow Us