الاب نوئيل كوركيس
كاهن الرب الى الابد
هـناك مثل شعـبي يقـول (ردناه عـون طلع فـرعـون) يُـطلق عـلى الشخص الذي يأتي ليساعـد شعـبه ولكـنه ينـقـلب بعـدها إلى طاغـية لـقـمعه. والطامة تـكـون أكـبر حـين يتحول هـذا الـقائـد (((المخـلـص))) الى أسوأ من قبْله، وفوق كل ذلك، يـدعـو قـوة خارجـية مستـنجـداً بها لإنـقاذه من سلطة الطاغـية الأول، فـتراه يُسلّم نـفسه لـمتـسـلـط آخـر أجـنبي دخيل يبدأ بفرض كل ما هب ودب.
لكـل إنـسان طبـيعة حُـب الحـرية، إنها غـريـزة مزروعة فـيه منـذ أن خـلـقه الـله وأعـطاه إرداة حـرة وضمير حي، ولم يـقـيّـد حـريته أبـداً حـتى حـين أخـطأ وإبتعـد عـنه. إن هـذا الإنسان المجـبول عـلى صورة الـله ومثاله قـد وعـده الـله بأن يخـلــّـصه، بإرسال إبنه الـوحـيـد لـيُعـيد له كـرامة وحـرية البنوة مرة أخـرى. هكـذا نـلنا نحـن المعـمَّـذون هـذه النعـمة فـنـناديه قائـلـين ــ أباً ــ… بابا …. أبانا.
فكم بالأحـرى لـلإنسان البابلي الـذي يعـرف الـ ــ أنا ــ في أعـماقه ويعـشق الحـرية، أن يرفع رأسه إلى العلاء شاكـرا ربه وخالقه. فـعـلى كل إنسان في المجـتمع الـذي يعـيش فـيه، واجـب هـو العـمل لـبناء المجـتمع ويفـرح عـنـدما يراه مزدهـرا، وإذا ما أتى طاغـية وسيطر عـلى الوضع لـيحكم عـليه بالعـبودية، فـلابد أن تـظهـر فـئة أو مجـموعة من ذلك المجـتمع (في أي عـصر وأية حـقـبة) لـتـفـكـر بإنـقاذ الوضع وإرجاع حـرية أخـيهم الإنسان. فالعـبودية تأبى الإستمرار حـتى يبـرز قائـد مخـلص أمين لربه وميراثه لـينـقـذ الشعب، ولا يكـون هذا إلّا من داخل الشعـب.
نـقـرأ التأريخ في الكـتاب المقـدس أن الرب إخـتار موسى الضعـيـف في مصر كي يُـنـقـذ شعـبه من عـبوديته لـفـرعـون الـذي كان قاسيا على شعـب اللـه بالأشغال الشاقة (خروج 5: 1-7):
وَبَعْدَ ذلِكَ دَخَلَ مُوسَى وَهَارُونُ وَقَالاَ لِفِرْعَوْنَ: هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيُعَيِّدُوا لِي فِي الْبَرِّيَّةِ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ: مَنْ هُوَ الرَّبُّ حَتَّى أَسْمَعَ لِقَوْلِهِ فَأُطْلِقَ إِسْرَائِيلَ؟ لاَ أَعْرِفُ الرَّبَّ، وَإِسْرَائِيلَ لاَ أُطْلِقُهُ. فَقَالاَ: إِلهُ الْعِبْرَانِيِّينَ قَدِ الْتَقَانَا، فَنَذْهَبُ سَفَرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْبَرِّيَّةِ وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا، لِئَلاَّ يُصِيبَنَا بِالْوَبَإِ أَوْ بِالسَّيْفِ. فَقَالَ لَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ: لِمَاذَا يَا مُوسَى وَهَارُونُ تُبَطِّلاَنِ الشَّعْبَ مِنْ أَعْمَالِهِ؟ اِذْهَبَا إِلَى أَثْقَالِكُمَا. وَقَالَ فِرْعَوْنُ: هُوَذَا الآنَ شَعْبُ الأَرْضِ كَثِيرٌ وَأَنْتُمَا تُرِيحَانِهِمْ مِنْ أَثْقَالِهِمْ فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مُسَخِّرِي الشَّعْبِ وَمُدَبِّرِيهِ قَائِلاً: لاَ تَعُودُوا تُعْطُونَ الشَّعْبَ تِبْنًا لِصُنْعِ اللِّبْنِ كَأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ. لِيَذْهَبُوا هُمْ وَيَجْمَعُوا تِبْنًا لأَنْفُسِهِمْ.
فالأهم لـدى فـرعـون كان قمع حرية الشعـب من ممارسة شعائـره الـدينية، وأيضا كـبح حـريته في التبشير بإيمانه، لـذا فإن صراخ هـذا الشعـب البائس وصل إلى مسامع الرب فإخـتار موسى الـذي كان أخـرساً لا يصلح للـقـيام بهـذه المَهمة، ومع ذلك أمره الرب أن يدخل إلى فـرعـون ويقـول له أن يترك شعـبه لـيغادر ويعـبد الرب الإله بكل حـرية، تلك التي كانت ممنوعة عـلى شعب إسرائيل في أرض مصر. إنّ الإله الرب أقسى قـلب فـرعـون أكـثر كي يُـريه ضرباته، فحل الدمار في مصر إلى أن خـرج الشعـب الإسرائيلي بقـيادة موسى (عـلما أن موسى لم يدخل أرض الميعاد)، وإستمرت المسيرة بقـيادة جـديدة حـتى إستـقـر الشعب عـلى أرض اسرائيل.
فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: الآنَ تَنْظُرُ مَا أَنَا أَفْعَلُ بِفِرْعَوْنَ. فَإِنَّهُ بِيَدٍ قَوِيَّةٍ يُطْلِقُهُمْ، وَبِيَدٍ قَوِيَّةٍ يَطْرُدُهُمْ مِنْ أَرْضِهِ. ثُمَّ كَلَّمَ اللـهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: أَنَا الرَّبُّ. وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ. وَأَيْضًا أَقَمْتُ مَعَهُمْ عَهْدِي: أَنْ أُعْطِيَهُمْ أَرْضَ كَنْعَانَ أَرْضَ غُرْبَتِهِمِ الَّتِي تَغَرَّبُوا فِيهَا. وَأَنَا أَيْضًا قَدْ سَمِعْتُ أَنِينَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَسْتَعْبِدُهُمُ الْمِصْرِيُّونَ، وَتَذَكَّرْتُ عَهْدِي. (6: 1- 5 سفر الخروج).
لهـذا تُعـتبر مصر دائما في الكـتاب المقـدس أرض العـبودية، وحين دخل نبوخـذنصر الثاني ملك بابل الكلداني بلادَ إسرائيل أراد البعـض أن يرجع إلى عـبودية مصر، ولكـن نبي اللـّه إرميا كان يقـول للشعـب لنرجع إلى بابل، إلى مكان أبـيهم إبراهـيم، ولهـذا ــ في نـظرهم ــ لم تكـن بابل أبـداً أرض العـبودية وإنما أرض التحـرير. وهـكـذا نـقـرأ في سفـر دانيال أن الملك يأمر بأن يخـتار بعـض الفـتية* من اليهـود ليثـقـفـوهم بالـثـقافة البابلية الكلدانية لينموا ويكبروا في البلاط الملكي. وحينما إحـتل كـورش بلاد بابل منح اليهـود حـرية الـرجـوع إلى أورشليم، فـذهـب (عـزرا ونحميا) ولكـنهما رجعا مرة أخـرى. إن ضرائح أنبـياء اللـّه قائمة حتى اليوم وموجـودة في أرض بابل أكـثر مما هي في أورشليم (قاتلة الأنبـياء).
وجـدير بالـذكـر أن معـظم أجـزاء الكـتاب المقـدس كُـتبت في بابل ـ باب ايل، وان الفصول العشرة الاولى من سفر التكوين مأخوذة من أساطير بابلية (انوما الش)، والتلمود البابلي كان أكـثر إعـتباراً في المجـتمعات اليهـودية من الكـتاب المقـدس (الـذي كان مكـتـوباً باللغة الآرامية).
ولكـن مع كل الأسف نرى اليوم في أرض بابل فـرعـوناً جـديداً، وهـو بسلطته يسعى إلى عـرقلة خـروج الشعـب من العـبـودية والإضطهاد حـيث تهان كـرامة الإنسان. ونراه يسلب حـرية الشعب، ولا يهتم بمعاناته، ويقف عائقاً عن وصوله أرض الميعاد بأن لا يلجأ إلى بلـد آخـر يمارس فـيه إيمانه بالحـرية التي يطلبها منه تعـليمه كما جاء في الإنجـيل المقـدس الـذي فـيه يقـول الرب: ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى (متي23: 10)، وتكـونـوا رسلا لـتبشروا بإنجـيل يسوع المسيح، وايضا كما نصلي في صلاة الشهداء لصباح يوم الثلاثاء من طقسنا الكلداني:
ܐܬܪܐ ܘܐܬܪܐ ܫܢܝܬܘܢ، ܘܡܢ ܡܪܟܼܘܢ ܠܐ ܫܢܝܬܘܢ، ܘܟܠ ܐܬܪܐ ܕܥܒܪܬܘܢ ܒܗ،
ܣܝܡܬ ܚܝܐ ܣܡܬܘܢ ܒܗ.
أثـرا وأثـرا شـنـّـيتـون، ومن مرخون لا شنيتون، وكل اثرا دعبرتون به،
سـيمَث حَـيّي سَـمْـتـون بِه
إنـتـقـلـتـم من بـلـد وبـلـد ، ولم تنتقلوا من ربكم ، وكل بلد تعبرون به، (ترياق) دواء الحـياة تـضعـون به
فـمن هـذه الحـقـيقة والإيمان إستجاب الشعـب والرعـية إلى تـوصية المسيح الراعي الصالح، والنـتيجة واضحة أمامنا (كان عـدد المسيحـيـين في أرض بابل ــ العـراق ــ 1.4 مليون، واليوم هـم أقـل من 250 ألف (حسب المقابلة بالانكليزية، بتاريخ 21 آذار 2017، والتي اجرتها الصحفية هولي مكي من فوكس نيوز مع القس كانون اندرو وايت تحت عنوان: المسيحية انتهت من العراق “Christianity in Iraq is finished, says Canon Andrew White, ‘vicar of Baghdad’“).
هذا هو الواقع المرير…. فلماذا نهرب منه؟؟؟ والأسوء أن نقبل بهذا الـفـرعـون الجـديد في ارض بابل وهـو يوازي تعاليم إيمان الكـنيسة المسيحية الاولى النهرانية مع تعاليم كتب اخرى مصرحاً بتملـق: ” الإثـنان يعـبّران عـن الإيمان بإلهٍ واحـد ” .
هـذا الـفـرعـون عـوضاً أن يسمع صراخات وتـنهّـدات شعـبه، صار يضع أمامهم عـراقـيل تعـيـق الـوصول إلى اختيارهم وأهـدافـهم ــ بطرق متـنـوعة ــ طالباً من الـدول مساعـدة الـناس في الـثـبـوت عـلى أرضهم ــ التي تـضطهـدهم ــ ولكـنه في أعـماقه المخـفـية يقـصـد رفـض طـلـبات لجـوئهم الى بر الأمان. وقـد لا يتـوانى ((إنْ أمكـنه)) حتى بأن يوصي بإرجاع المستـقـرين في تلك الـبـلـدان إلى العـراق (كما اختلق قضية إرجاع الكهنة والرهبان كي يكونوا مثالاً … “يا ايها المهاجرين ارجعوا”)… ورجوعهم إلى القـرى المدمرة كـليا مِن قِـبَل أناس سوف يعيشون في وسطهم … فهل بقـيت ثـقة بهـؤلاء الأوباش؟؟؟ وهل هذا هو عون؟؟؟
ختاماً: دعاؤنا اليوم: نحن بحاجة ماسة إلى أنْ يخـتار الرب لنا قائـدا مثل موسى كي ينـقـذ شعـبه من عـبودية الشخـص. فمتى ستسمع يا رب أنين الأصلاء وشعبك المسكين وتُنقذ كنيستك من الفراعنة؟؟؟
* نبوخذنصر يختار أربعة من بني إسرائيل (دانيال 1: 1-7) .
1 فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ حُكْمِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكِ يَهُوذَا ، زَحَفَ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عَلَى أُورُشَلِيمَ وَحَاصَرَهَا 2. وَأَسْلَمَ الرَّبُّ إِلَيْهِ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا مَعَ بَعْضِ آنِيَةِ هَيْكَلِ اللهِ، فَحَمَلَهَا مَعَهُ إِلَى أَرْضِ بَابِلَ وَاحْتَفَظَ بِالآنِيَةِ فِي خِزَانَةِ مَعْبَدِ إِلَهِهِ 3 . ثُمَّ أَمَرَ الْمَلِكُ أَشْفَنَزَ رَئِيسَ خِصْيَانِهِ أَنْ يُحْضِرَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، مِنَ السُّلاَلَةِ الْمَلَكِيَّةِ وَمِنَ الشُّرَفَاءِ ، 4فِتْيَاناً كَامِلِي الْخِلْقَةِ ، ذَوِي جَمَالٍ ، مَاهِرِينَ فِي كُلِّ صَنْعَةٍ ، يَتَحَلَّوْنَ بِالْمَعْرِفَةِ وَمُتَبَحِّرِينَ فِي كُلِّ عِلْمٍ مِمَّنْ هُمْ أَهْلٌ لِلْمُثُولِ فِي قَصْرِ الْمَلِكِ ، لِيَتَعَلَّمُوا كِتَابَةَ الْكَلْدَانِيِّينَ وَلُغَتَهُمْ 5. وَعَيَّنَ الْمَلِكُ لَهُمْ مُخَصَّصَاتِ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ مِنْ أَطَايِبِ مَأْكُولاَتِ الْمَلِكِ وَمِنْ خَمْرِ شَرَابِهِ ، وَأَوْصَى أَنْ يَقْضُوا ثَلاَثَ سَنَوَاتٍ فِي التَّثَقُّفِ يَمْثُلُونَ فِي نِهَايَتِهَا فِي حَضْرَةِ الْمَلِكِ 6 . وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُنْتَخَبِينَ مِنْ بَنِي يَهُوذَا أَرْبَعَةٌ هُمْ : دَانِيَالُ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلُ وَعَزَرْيَا ، 7 فَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ أَسْمَاءَ كَلْدَانِيَّةً ، فَدَعَا دَانِيَالَ بَلْطَشَاصَّرَ ، وَحَنَنْيَا شَدْرَخَ ، وَمِيشَائِيلَ مِيشَخَ، وَعَزَرْيَا عَبْدَنَغُـوَ.