قرداغ مجيد كندلان
” 1 وبعد السبت عند فجر اول الاسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الاخرى لتنظرا القبر. 2 واذا زلزلة عظيمة حدثت لان ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. 3 وكان منظره كالبرق ولباسه ابيض كالثلج. 4 فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كاموات. 5 فقال الملاك للمراتين: «لا تخافا انتما فاني اعلم انكما تطلبان يسوع المصلوب. 6 ليس هو ههنا لانه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعا فيه. 7 واذهبا سريعا قولا لتلاميذه انه قد قام من الاموات. ها هو يسبقكم الى الجليل. هناك ترونه. ها انا قد قلت لكما». 8 فخرجتا سريعا من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه. 9 وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه اذا يسوع لاقاهما وقال: «سلام لكما». فتقدمتا وامسكتا بقدميه وسجدتا له. 10 فقال لهما يسوع: «لا تخافا. اذهبا قولا لاخوتي ان يذهبوا الى الجليل وهناك يرونن ” ( متى 28 : 1- 10 ) .
كان فجر الاحد . جاءت مريم المجدلية أما الأخرى فهي أم يعقوب ويوسي ، وهما اللتان جلستا قبالة القبر تنظران يوسف وهو يضع الجسد ويدحرج الحجر على فم القبر. أما الانجيلي مرقس فيضيف سالومة ( مر 16 : 1 ) والانجيلي لوقا يضيف يونا وأخريات. أما الانجيلي يوحنا فلا يذكر سوى مريم المجدلية فقط (يو20 :1 ). والمفارقة بين انجيل يوحنا الذي يقول إنهن أتين والظلام باق، والانجيلي مرقس الذي يقول إن الشمس قد طلعت والانجيلي متى يقول إنه كان في الفجر، فالاختلاف ناتج أن النسوة قمن باكرا جداً والظلام باق، وأتين الى الباب (باب غرب المدينة) وانتظرن هناك الى أن فتحوا الباب الذي لا يُفتح إلا في شروق الشمس. وهكذا بين أن قمن من بيوتهن في الظلام ووصلن في الفجر عند الباب وخرجن والشمس قد طلعت كانت المفارقة.
كانت الامانة والمحبة والولاء العنيف الذي يملأ قلوبهن للمسيح هو الدافع للذهاب الى القبر أكثر منه تذكر لقول الرب إنه في اليوم الثالث يقوم، أما التلاميذ فلا هذا ولا ذاك، فالحوادث العنيفة تبلع مشاعر الرجال ولكن النساء قلوبهن رقيقة. فحبهن وأمانتهن تبقى فوق الأحداث الجسام. قلوبهن تلتقط حركات السماء – القيامة – بأكثر انفعالية وصدق. وكما تحنو قلوبهن بحساسية ورقة وعنف معا على أولادهن الخارجين من بطوهن، هكذا وبأكثر قوة وانفعال يستودعنهم الى باطن الارض. بالفرح البالغ يستقبلنهم للحياة وبالحزن الأبلغ يستودعنهم للموت! ولولا النساء ما عرفت البشرية الفرح الصادق ولا الحزن الاصدق.
كان الملاك أول رسول للقيامة يبشر البشرية بالحادث المفرح الذي صار عماد الانجيل وأساس الحياة الأبدية للإنسان. ولكن الانجيلي مرقس رآه شابا جالسا على الحجر، والانجيلي لوقا يقول ملائكة(24 :23) والانجيلي يوحنا ملاكين ايضا (20 : 12 ). وعندنا أيضا وربما تكون اول اشارة زمنية بالقيامة سلمها القديس بولس: ” 3 فانني سلمت اليكم في الاول ما قبلته انا ايضا ان المسيح مات من اجل خطايانا حسب الكتب. 4 وانه دفن وانه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. 5 وانه ظهر لصفا ثم للاثني عشر. 6 وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لاكثر من خمس مئة اخ اكثرهم باق الى الان ولكن بعضهم قد رقدوا. 7 وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل اجمعين. 8 واخر الكل كانه للسقط ظهر لي انا. 9 لاني اصغر الرسل انا الذي لست اهلا لان ادعى رسولا لاني اضطهدت كنيسة اللـه. “
رجاء أن لا يُعثر من الاختلافات الواضحة في قصة القيامة، لأن الذي يتحدث عن القيامة إنما يتحدث عن امور ليست تحت ضبط العقل والفكر والحواس والعين والتمييز البصري، فالقيامة بكل ظهوراتها وأقوالها وتسجيلاتها تمت بسبب انفتاح خاص في الوعي الروحي ليُرى ما لا يُرى، ولكل إنسان وعي خاص بإمكانيات خاصة، وكل وعي يختلف في القدرة والدقة والانفتاح والشمول عن الوعي الآخر، حتى ان القيامة نفسها يوجد من عاينها ويوجد من لم يعاينها لأنها تعتمد على قطبين: الأول إرادة المسيح في أن يعلن أو لايعلن نفسه، وبوضوح كامل أو بوضوح أقل كما حصل لتلميذي عمواس. والقطب الثاني قدرة الذي يتلقى الاستعلان. لذلك يوجد من يحكي بإسهاب ومن يحكي باختصار شديد، ومن يقول كثيرا ومن يقول قليلا، ومن يقول اثنين ومن يقول بل واحداً. وهكذا فكل ما يخص القيامة لا يدخل تحت النقد او الفحص او التحقيق او الإيضاح.
ويقرر العالم بورنكام: ” إن قيامة المسيح حقيقة يفوق الواقع التأريخي، ولا يستطيع التأريخ ان يفحص كيفيتها، ولكنه يتيقن من حدوثها كحقيقة أُمن بها بواسطة التلاميذ بيقين راسخ يسجله التأريخ، وبدونه لا يكون إنجيل ولا خبر ولا حرف في العهد الجديد. لأنه لا إيمان ولا كنيسة ولا عبادة ولا صلاة ولا مسيحية حتى هذا اليوم بدون قيامة يسوع المسيح من الاموات.