بقلم : حمورابي الحفيد
لقد مضى على وجود الكنيسة الكاثوليكية الفين ونيف من السنين وهي على نفس الهيكلية، نفس الخطاب، نفس المحذورات، نفس الهرمية، بلغ بها الامر حد الانجماد والتكلس، وهذا كله مخالف لسنة الحياة وناموسها في التجدد والتغيير، وبقي منهجها اللهاث وراء الاحداث على امل الحفاظ على هيبة هذه الموسسة، دون نجاح.
ان المحاولات اليائسة للحاق بقطار التحولات السريعة وزيادة المسافة بين جمهور المؤمنين وهرم السلطة الكنسية مما ادى الى تراخي العلاقة ان لم نقل انقطاعها بين الرأس والقاعدة مما تسبب احباطا لدى المؤمنين لدرجة اليأس.
رددت كثيرا قبل إثارة هذه الأزمة المتفاقمة، لكن غيرتي على هذه المؤسسة ألزمتني ان أحرك المياه الراكدة مع علمي المسبق بأن سيوف وعاظ السلاطين من عبدة الاوثان والايقونات وعجل اليهود والعقول التي أصابها الجفاف نتيجة الانحباس الحراري الذي يعاني منه كوكبنا ستسلط على رقبتي الضعيفة اصلا، ووجدت ان كان ثمن بعث الحياة في كيان يترنح من كهوليته وهو عزيز على قلبي هو بعض اللكمات من جماجم أصاب خلاياها العقلية التلف فليس بباهض.
وأود ان اتناول ثلاثة امور تحتاج مراجعة عاجلة قبل ان تنفجر دملها المتقيحة:
1- نظام الترقية في المراتب الكنسية ومدى صلاحية آلياته، وانعدام آليات عزل او خلع احدهم عندما يصبح وجوده ضارا بالصالح العام للرعية.
الظاهر من كيفية ترقية الشخص في سلم المراتب الكنسية مثلا آلية ترقية قس الى اسقف تتم وفقا لارادة اسقف الابراشية والذي يلاحظ من نتائجه ان الاسقف تبقى عينه شاخصة الى اللحظة التي ينهي الموت حياة البطرك ليحل محله، فيبدأ بتشييد الهيكل المادي لبلوغ مآربه في البطريركية فيعمل الي ترقية الآباء المخلصين له من الكهنة كي يضمن الاصوات عند انتخاب البطرك الجديد وهذه الالية في انتخاب البطرك اقل ما يقال فيها انها فاسدة وتفتقر الى الكثير من الصلاحية والعدل وتتعارض مع جمال القيم المسيحية نفسها .
عليه اقترح تشكيل مجلس حكماء دائم في كل أبراشية يتكون على الاقل كمثال من سبعة اشخاص يختارهم جمهور المؤمنين وتكون مسؤليتهم ترقية المناسب من الكهنة بترشيح من اسقف الابراشية بعد التشاور مع مجلس الحكماء ان كان هناك ضرورة لذلك. وهم يقررون في الموافقة او الرفض لتلك الترقية.
هناك ثغرة وبقعة سوداء في النظام الحالي اذ ليس هناك من آلية عزل او ابعاد من تتم ترقيته مهما حصل من نتائج ممارسته لمسؤوليته من انحراف وسيبقى ينخر في كيان المؤمنين الى ان يتدخل عزرائيل ليرفع تلك الغمة من على صدر الامة.
ليست هذه هي الكنيسة التي ارادها بولس الرسول، والشيء بالشيء يذكر كنت في سفرة الى جزيرة كوس اليونانية وهناك الشجرة التي كان بولس الرسول يبشر تحت ضلالها لا زالت حية، ويختار الجمهور من يصلح للخدمة.
يقول في احدى رسائله ما معناه انتخبوا الصالح بينكم واذا تبين من خلال ادائه للخدمة ما لا ينسجم مع الرسالة اصرفوهم بصمت، وكان عامة المؤمنين من يختار الصالح، أين هذا من الاساليب المتبعة اليوم؟؟؟
اما في حالة انتخاب البطرك بما ان رجال الكنيسة استحوذوا على الزعامة المدنية والروحية معا عليه توجب ان يكون للمؤمنين الرأي القاطع في اختيار البطرك، كمثال وجود مجلس حكماء من العلمانيين تعداده ضعفي عدد الاساقفة الذين سيشتركون في عملية اختيار المناسب لهذه الرتبة.
مع وجود أسس وآليات وتشخيص الاسباب التي توجب عزل البطرك او الاسقف او الكاهن او احالتهم الى المعاش في الحالات الموجبة لذلك كالتقادم في العمر او الاصابة بامراض تقلل من قدرته في الرؤيا السليمة، او انحرافه عن خدمة مصالح جمهور المؤمنين الدنيوية والروحية منها كالاساءة الى وجودهم والنيل من هويتهم والاضرار بمصالحهم القومية كما هو حاصل اليوم. يجب ان لا تكون هذه المراتب كملكية مطلقة ومدى العمر ومهما أساء المومأ اليه بأي شكل من الاشكال. ما كانت هذه الكنيسة التي ارادها بولس الرسول.
2- بتولية الاكليروس، ان قوة المسيحية هو في قيمها العليا، وفي عين الوقت انها مصدر ضعفها كما يلي توضيحه ادناه:
ان يسوع المسيح وفقا للمعارف الدينية كان يجمع بين طبيعتين وهذا واضح من مسببات ميلاده فأنه جمع بين الطبيعة وما وراء الطبيعة عليه ان قيمه ايضا فيها هذا الاعجاز انها من عالم فوقي، فقوتها هي انها تتخطى الطبيعة البشرية التي تكوننا وهذا هو جانب القوة فيها لسموها واستحالة من هو من الطبيعة الارتقاء اليها وهذا سبب ابديتها، كقوله احبوا اعدائكم باركوا لاعنيكم..الخ اي كائن من ابناء الطبيعة يستطيع الارتقاء الى هذا وقوله: يا ابتاه اغفر لهم لجهلهم بما يفعلون. ولاستحالة بلوغ هذا الرقي تمنحها خاصية الخلود والابدية كي تبقى منارا لمن يحكم عليه بالحياة في هذا العالم.
أما مصدر ضعفها فأنها غير قابلة للتطبيق من قبل الانسان لتعارضها مع موروثاته في الخلق كما قيل لا تطلب ما هو غير المستطاع اعطائه (اذا اردت ان تطاع اطلب المستطاع)، فأي فكر يتعارض مع قوانين الخلق سيعاني من الصعوبات التي لا يمكن تجاوزها.
فتمسك الكنيسة الكاثوليكية بفرض عرف يتعارض مع موروثات الخلق يضعها دوما في مواقف محرجة كما هو حاصل اليوم، ان طلب الكنيسة من الاكليروس ان يرتقوا الى ما كانت عليه سيرة المسيح هو ضرب من الخيال ليس الا، لهذا قال بولس على الاسقف ان يكون زوجا لأمراة واحدة، لادراكه استحالة سيرهم على مثاله، ونجد ان جميع حواريي المسيح كان لهم حياة عائلية ولم يطلب منهم الخروج منها، مما تقدم نجد ان بتولية الاكليروس ليست من الفرائض المسيحية بشيء، ليست الا هوس ومغالات في سقف طموحات لا يساندها الواقع، فما الذي يحصل من النظام الحالي نجد ان رجال السلك الكنسي جل هممهم هو جمع الاموال او الحصول على احدث العربات اواقتناء اغلى الدور كل هذا للتعويض عن حاجة تمليها طبيعة كونهم احياء هذا اذا اكتفوا بذلك ان لم تحصل امور اكثر شناعة في السيرة الشخصية لهم لان مقاومة اكثر الغرائز قوة لدى الكائن الحي امر ليس ضمن دائرة التحقق، عليه يجب ترك حرية الزواج من عدمه عند الفرد وحبذا ان يكون الزواج احد شروط نيل رتبة الكهنوتية عندها سوف يكون اهتمامهم في ادارة شؤون عائلتهم في حدود العرف والبيئة الاجتماعية التي يتواجدون فيها، اذكر ان جدي رسم كاهنا بعد زواجه وخدم رعيته 60 عاما كأفضل ما يكون وعندما توفي كان قد احتفظ بمبلغ 30 دينارا للانفاق على مراسيم دفنه ومصاريف العزاء اين نحن اليوم من هذا.
هذا العرف هو اكثر الحاحا لالغائه لاعادة الوضع الصحي للكنيسة لانها مثقلة بتوابعه وانه مناقض للفطرة التي خلقنا عليها.
3- انعدام الشفافية في الادارة المالية في كنائس الشرق، لقد عايشت في تجربتي الحياتية 4 اساقفة في الابراشية التي ولدت فيها لا اعتقد ان احدهم عندما رحل الى العالم الاخر سلم او ترك لمن يخلفه دينارا واحدا، لان كان تعاملهم مع المال العام كملك شخصي وهذا برأي هو من تبعات الحالة رقم 2 اعلاه، فالذي يحصل ان التركة تذهب الى الورثة من الاخوة والاخوات وابنائهم، وهذا امر مخجل ان تصل الامور الى هذه الدرجة المجردة من اي معيار من النزاهة والامانة، هذا لا يعني انه لم يكن من كان بدرجة واخرى افضل من غيره لكن هذا لا يعفي ولا يمنح البرائة كاملة ما دام هناك طرق ادارة الاموال العامة في اتباعها يتزكى الجميع، الحل هو ان يتبع نظام محاسبي وان الكنيسة هي شخصية معنوية وهي المالك وهناك اصول الصرف بمن يخول بذلك ووجود لجنة خاصة بهذا الشأن ويقدم تقرير مالي سنوي يظهر بجلاء الايرادات والنفقات بغض النظر عن حجمها بالارقام وتعلن للعامة للاطلاع وابداء وجهة نظر فيما تقوله الارقام حفظا للنزاهة وتوفرالشفافية المطلوبة، وليريح الكل ضمائرهم، وهذا امر غائب كليا في كنائسنا انها نقطة داكنة في سجل القائمين على ادارتها.
بهذا طرحت وجهة نظري آملا ان يفتح باب النقاش من قبل الغيورين على كنيسة المسيح وان تكون في حالة صحية لا تنخر بها الامراض وعوادي الزمن. تحياتي