Kaldaya.me – آنا كلدايا
“لا تخف يا يوسف من أن تأخذ امرأتك لأن المولود منها هو من روح القدس”. بهذا حدّد ملاك الرب الموقف الذي يأخذه مار يوسب ويسير به في تكميل مسؤوليته تجاه الطفل الذي في بطن خطيبته، ويكون أبا ومدبراً أرضيا، وذلك هو الذي بحاجة اليه أي طفل ليقوم ويتربى ويكبر.
عندما كانت تأتي الأفكار الى يوسف بترك خطيبته لم تكن بسبب أن له شكوك في طهارة خطيبته، بل بسبب أنه لا يعرف كيف يتعامل مع الطفل الذي ليس له. نرى الإنجيل يدعوه “بالبار والصديق”، أي انه إنسان كما يريده الرب أن يكون، فليس في فكر مار يوسب أي شك ان مريم طاهرة لكون اذا كان له غير ذلك التفكير لرجمها كما تقتضي الشريعة الموسوية، وإنما يوسب “أراد تخليتها سراّ” لأنه لا يعرف مسؤوليته أولاً، وثانيا لأنه كمثل أغلب المختارين من الرب للقيام بمهمة له على الأرض أرادوا الهروب، وليس كمريم العذراء التي سلمت ذاتها كلياً الى إرادة الرب وقالت: انا أمة الرب فليكن لي حسب قولك.
– ألم يتحجج موسى القائد وزعيم شعبه بأن لسانه يتلعثم ولا يجيد النطق؟
– وايضاً اشعيا النبي الذي شفتاه غير طاهرة،
– وكذلك هروب النبي يونان من وجه الرب،
– وفي العهد الجديد ايضا رأينا كيف أن زكريا يعترض على المهمة التي قالها له رسول الرب فيقول للملاك: كيف يكون ذلك.
هذه كانت موعظة الأب نوئيل كوركيس من قراءة الفصل الأول لإنجيل متي (18 – النهاية)، للقداس الإلهي الذي أقامه مساء السبت 17 ديسمبر للأحد الرابع من سابوع البشارة حسب طقسنا الكلداني، والذي يقيمه مساء كل سبت في كنيسة مار يوحنا المؤجرة في مدينة الكهون، حيث قال:
اننا نختبر هنا نفس القصة مع يوسف البار الذي أراد ان يتخلص من مهمته ولكن يد رب تدخلت في الوقت المناسب كي لا يخرب بيته، لا بل كي يشترك مع خطيبته مريم لفداء البشرية من قبل الطفل الذي حُبل به في بطن مريم بقوة روح القدس.
فبعد كشفه لهذه المهمة، قبلها مار يوسب وهو صامت، ولم ينبس بكلمة واحدة، وإنما عمل بكل هدوء كي يقوم بمهمته على ما يرام. وذلك عندما كانت هناك خطورة على حياة الطفل يسوع هرب به الى مصر وتكفل بتربيته، وكان يسوع الطفل يطيعه هو ومريم امه و”يزداد في الحكمة والقامة امام اللّـه والنَّاس”.
لهذا ألم يكن موقف مار يوسف جريء؟؟؟ ولم يحسب حسابات خاطئة، مثلاً: ماذا سوف يقولون الناس عنه؟ وعن الطفل الذي ليس له؟ أو كيف يواجه أهل بيته وقريته؟ هذا لأن الرجال هم رجال بمواقفهم وليس بترددهم أمام الحق ضد الباطل أو بالسكوت عنه، لا بل وبإشتراكهم بالظلم مع الظالمين! كيف يستطيع المؤمن بإله الحق أن يقبل الظلم؟ أليس له شجاعة أن يقول كلمته؟ (يسوع يقول لنا “الحق يحرركم”). بل انه يسكت ولا يتجرأ لقول الحق في وجه الظالمين ويقنع نفسه قائلاً “لنصلي اليه تعالى كي ينور عقلهم”.
نعم، ان الصلاة ضرورية دائماً للمؤمن، ولكن يجب أن تأتي مع موقف واضح وصريح، وليس ضبابي او انتهازي.
فلنتعلم من هذا القديس الكبير شفيع عوائلنا الجرأة والشجاعة في حياتنا الأرضيّة حتى وإن تكون بصمت.