يوسف تيلجي
أستهلال:
أن الخطاب الأسلامي المعتدل من الممكن أن ينبثق منه أنسانا سويا، أما الخطاب الأسلامي المتطرف فينشأ قالبا منحرفا من البشر، خاصة بوجود شخصية تعيش فراغا فكريا، سطحية التحليل، والتي تنجرف بأقل جهد ممكن، هكذا نماذج تكون منغلقة متعطشة للتطبيق الحرفي التأريخي للنص القرأني، من الممكن أن تشكلها كما يهدف أليه النص القرأني، من ناحية أخرى، وبنفس مضمون الخطاب الأسلامي المتطرف، قد يتولد عند المتلقي المنفتح دينيا وثقافيا أفكارا عكسية في الأتجاه والمضمون، غير متوقعة في ردة فعلها، لأن هكذا خطابا معبأ بهكذا نصوص غير متوافقة لا مجتمعيا ولا حضاريا، تجعل من الفرد أن يعوم في خواء فكري بدوامة اللادين، ثم تجعله أن يبتعد رويدا رويدا ليس عن عقيدة الأسلام فقط، بل عن الأسلام ونبيه وعن اللـه أيضا … هذا ما سأتعرض أليه في القراءة التالية.
النص:
الكثير من النصوص القرأنية/خاصة أيات السيف أو الجهادية أو القتالية أو المعنفة .. سمها ما شئت، كقوله تعالى (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) الفرقان 52، و(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) الأنفال: 12، وغيرها ..، والأحاديث الجهادية، كالحديث التالي ( .. تحفيزا للهمم وتشويقا لطلاب الحور العين وإغاضة لأعداء اللـه وشدا لعزائم المجاهدين الأبطال، “عن عبداللـه بن أبي أوفى رضي اللـه عنه: أن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم في أيامه التي لقي فيها العدو انتظر، حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال : ياأيها الناس! لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا اللـه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف “) ./ نقل عن موقع زيزوم، هذه النصوص وغيرها قادت الى خطاب ديني متطرف متزمت، تبناه الشيوخ والعلماء والدعاة .. وجعلت المتلقي له أن يشحن دينيا بشكل سلبي قد يقوده الى الأنعزال والتقوقع، ثم الى التدين المتعصب، وفي مراحل أخرى قد تجعله أن يشعر أن الالتحاق بالمنظمات الأرهابية كالقاعدة وداعش والنصرة، والعشرات غيرها، نهجا تنفسيا لما يشعر به من ضغوطات دينية شديدة، من أثر الشحن لهكذا خطاب، وقد يظن رجال وشيوخ الدين هذا نصرا للأسلام ورسوله!. ولكن من جانب أخر، أن الكثير من النصوص القرأنية، أنطوت على ردودا عكسية، على الشباب خاصة، وجعلته يترنح من صدى نصوص وأحاديث، صيرته لا منتميا الى خطاب ديني مستهجن غريب، بل حولته الى لا منتمي للدين نفسه، فهو في كثير من الأحيان يصبح مشدوها من التلقي، أهكذا نصوص فعلا هي حقيقة أم هي أدعاء أو هي ملفقة، وجعلته يتساءل عن الدافع والسبب والحجة لنزول هذه الأيات أو لتداول هكذا أحاديث، فمثلا، يروي البخاري (عن أنس بن مالك قوله: أن نبي اللـه كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة) أو برواية أخرى (بغسل واحد) / نقل من موقع شبكة الشيعة العالمية – مقال بعنوان الرسول والنساء، وهذا ينعكس سلبيا عند الشباب، وسائل يتسائل من أين لأنس هذه المعرفة الخاصة للرسول، وكيف أن يتيقن أن زيارته لنسائه هي لغرض الوطأ، وهل كان أنس رجلا لوجستيا يراقب الرسول حتى في بيوت نسائه!، اما قضية “بغسل واحد” هي مشكلة المشاكل، ومثال أخر الدعاء على الكافرين/ العام المطلق، (فإنه يجوز الدعاء على مطلق الكفار سواء كانوا مقاتلين أو غير مقاتلين، ويدخل فيهم اليهود والنصارى والوثنيين والملاحدة، ويدل على ذلك قوله تعالى عن نوح عليه السلام رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارا/ نوح :26 ، وحديث الرسول في دعائه: اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب إله الحق. رواه أحمد) / نقل من موقع أسلام ويب، حيث يصعق بعض المصلين في الكثير من المساجد والجوامع من الدعاء على اليهود والنصارى ..، وهم أهل كتاب منصوص عليه قرأنيا، حسب الأية التالية من سورة آل عمران: “نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات اللـه لهم عذاب شديد واللـه عزيز ذو انتقام” . المتلقي أصبح لديه شيزوفرينيا / أنفصام بالشخصية، في التلقي، خاصة بالنسبة لأهل الكتاب، هل هم كفرة، أم ماذا، وأذا كانوا كفرة، لماذا نزلت سورة أل عمران المشار أليها في أعلاه بحقهم، ولماذا هذا الدعاء المقيت المتحامل عليهم، وما هذه الكراهية والحقد والبغضاء تجاههم، ويتعالى التساؤل، لماذا يعيشون بيننا، هل ندعوهم للأسلام، وما يحصل لو رفضوا الدعوة، أنقتلهم، أم نهجرهم، وهكذا دواليك، كل ذلك وغيره يرفع من وتيرة الشك لدى الجمهور المتلقي لهكذا نصوص وأحاديث.
ومن جانب ثالث، نقرأ أو نسمع بوجود حوار الحضارات، الذي تشارك به السعودية (يقود خادم الحرمين الشريفين حوار الحضارات والذي ينعكس وبشكل مباشر على تقارب الاديان، وفرض التعايش والتوافق كقيمة يتفق عليها الجميع دون استثناء، ولهذا اعتبرت المملكة أن هذا الامر قضية اساسية في سياق العلاقات داخل المجتمع الدولي وبدياناته السماوية الثلاثة، وهذا هو الطريق الامثل والسوي اذا اردنا كسب المزيد من الاصدقاء والمناصرين للقضية العربية والاسلامية والى منابر الدفاع عن تلك القضية ..) / من مقال د. سامي العثمان – موقع أخبار الساعة، مع العلم أن السعودية هي راعية أساسية للتطرف الديني والمذهبي تحت تطبيق المذهب الوهابي، ولا تزال تطبق قطع الرؤوس والأيادي في الساحات العامة لحد الأن ونحن في القرن 21، ولا تسمح بل تحرم أي نوع من الحريات الدينية على أراضيها، بل ليس هناك من حرية للكلمة في المملكة، وأن جلد رئيف بدوي الناشط السعودي، أكبر دليل على هذا ... ولما يعاني الشعب السعودي من كبت وضغط كبيرين، أنتشر الألحاد في السعودية وبنسب مرتفعة، وتشير بعض الاحصائيات الى هذا المنحى ( .. عممت عدة وسائل إعلام سعودية دراسة أجرتها مؤسسة “وين غالوب الدولية للأبحاث”كشفت فيه أن “خمسة في المئة من السعوديين قالوا إنهم كانوا ملحدين”، أي في بلد يبلغ عدد سكانه 29 مليون نسمة) / نقلا عن موقع Cnn td 31.08.2015. رجال الدين يعزون الألحاد الى مسببات لا منطقية وغير عقلانية، وكالعادة يحملون الأخرين أنتكاساتهم، ففي موقع الدرر السنية، يعزي الألحاد الى ما يلي (أن لظهور الإلحاد أسباب كثيرة كغيره من الظواهر الأخرى ولا شك أن أكبر الأسباب هو إغواء إبليس لمن اتبعه .. ) الى أن يقول (ويعود إلى أمور سياسية كحب اليهود السيطرة على العالم. وبعضها يعود إلى طغيان الديانات المحرفة وعلى رأسها النصرانية التي هي صورة عن الوثنية ..) كالعادة شيوخ الأسلام يجعلون من اليهود والنصارى سببا، ناسين أنهم هم السبب والمسبب. بمعنى أن السبب هو الخطاب الديني المتطرف والمسبب هم رجال الدين أنفسهم الذين يروجون لهكذا خطاب، الأمر الذي دفع البعض الى الدعوة والعمل على سحق هذا الخطاب وألغائه، (كتب إبراهيم حسان قال الكاتب خالد صلاح، رئيس تحرير “اليوم السابع”، إننا نتحدث عن تجديد الخطاب الدينى بالدولة، ولكن لم نتحدث عن شىء مهم قبل التجديد يتمثل فى سحق الخطاب الدينى المتطرف.. حتى نتمكن من السيطرة على عقول الشباب والأفكار الخبيثة، التى يبثها التطرف والإرهاب وأضاف خالد صلاح عبر برنامج “آخر النهار”، المذاع على فضائية “النهار”، أن المجموعات المتطرفة لديهم براعة فى عرض المضمون المتطرف وزرعه فى عقول الشباب من خلال خطاباتهم، فلذلك يجب وجود خطاب دينى لدينا يحمل نفس الخبث والمكر حتى يواجه الفكر المتطرف والسيطرة عليه، مضيفاً “نحتاج فى البداية إلى تفكيك الفكر المتطرف ثم تجديد الخطاب الدينى).
القراءة:
الخطاب الديني، العام المطلق، معتدلا كان أو متطرفا، هو خطابا أسلاميا فكرا ومنهجا، له نصوصه وله ألياته، وللخطيب الكيفية في تناول هذه النصوص والأليات، فأن تعصب وتزمت وألتزم بالنص الذي يدعوا الى الجهاد وقتل الكفار وهدم معابدهم وأخذ الجزية منهم وتهجيرهم والدعاء عليهم.. سنكون أمام خطاب يحث على العنف والقتل .. ومن الممكن أن يكون دافعا رئيسيا للمتلقي على الألتحاق بالمنظمات الأرهابية / القاعدة وداعش وغيرها، أو سيكون أحد الاسباب الرئيسية لذلك، والعكس بالعكس، أضافة الى ما سبق تبرز قضية مهمة ومركزية، وهي “الحاكمية” التي تنص في الخطاب الأسلامي أنها للـه، وتكفير كل الحكومات .. من هذه النقطة، يجب أن نبدأ ببناء لبنة خطاب ديني يقوم على “حاكمية الدولة” وليس “حاكمية اللـه”، حاكمية تقوم على سلطة الدولة المدنية التي يحكمها فئة منتخبة من قبل الشعب، ولا يحكمها اللـه، لأن اللـه بالرغم من قداسته ولكنه غير منتخبا، كما أن اللـه “وجد” كي يعبد ولم يوجد كي يحكم!