يوسف تيلجي
من الضروري أن يبقى النهج الحداثوي للفكر، محورا مركزيا وصفة أساسية لكل المواضيع الأدبية والنقدية والعقائدية والأجتماعية وحتى الدينية، ويدخل ضمن هذا النطاق الأبداع الفكري وقبول الرأي والرأي الأخر وحرية الكلمة والتعبير ..، والمهم أيضا أن تطبع كل القيم والأعراف والتقاليد به أيضا، وذلك من أجل حياة مجتعية متمدنة أفضل، مبتعدة عن الخلفيات العقيمة، خاصة تلك التي كانت سائدة في مجتمع البداوة الموسومة بعرف العصبية القبلية وأرهاصاتها. وعلى أساتذة الفكر ورجال الدولة والسياسة وشيوخ الدين/الأسلاميين منهم خاصة، وبالتحديد، الذين يؤمنون بأن “الأسلام هو الحل” أو “أن الأسلام هو دين ودولة وحياة” أو “أن الأسلام صالح لكل زمان ومكان” .. أن يؤمنوا بأن الحياة لا تبنى على أصنام ماض سحيق متحجر! بل تبنى بفكر حضاري يؤمن بالحاضر المزدهر وبالمستقبل الواعد.
لذا أرى أن الفكر الحداثوي هو “الحل”، وليس غيره، فأذا تطرقنا لموضوعة الخطاب الديني عامة وخطبة الجمعة خاصة/التي تقام في المساجد، على سبيل المثال وليس الحصر في السعودية، لسمعنا دعاءا على اليهود والنصارى الصليبيين ك: اللهم أخسف بهم الأرض، اللهم أنزل بهم الطاعون، أللهم أصليهم بالنار، اللهم أهلكهم في الدنيا والأخرة ..، أضافة لدعوات الجهاد في العراق وسوريا وليبيا و..، هكذا هو النموذج الوهابي السعودي في الخطب، علما أن السعودية هي الأكثر أنبطاحا أمام الكفرة!!..
أرى نحن أمام معضلة فكرية دينية مؤثرة على العامة، وذلك لأن الكلمة أعمق تأثيرا من السيف على المتلقي، فالوهابية لا زالت تنهج وتطبق أسلام صدر الرسالة المحمدية، كنحر الرؤوس وقطع يد السارق والرجم والجلد .. مع تكميم تام للأفواه، وهو ذات الفكر الذي تطبقه المنظمات الأرهابية كداعش، القاعدة والنصرة وبوكو حرام .. المنطلقة في نهجها لثقافة الموت والتوحش والقتل من الفكر الوهابي .. كل ما سبق وغيره من المواضيع مبني على فكر حقبة الرسالة المحمدية الأولى التي كان بها الأسلام لا زال في مهده!
لذا أرى أن هذا الفكر يجب أن يتغير، لأن المجتمع البدوي تغير الى مجتمع متمدن، عدا السعودية التي لا زالت البداوة والقبلية هي السائدة بشكل أو بأخر! كما أن الظروف الزمانية والمكانية وكل الأعراف والتقاليد وعامة الحال المجتمعي أختلف وتبدل الى واقع ليس له علاقة بما كان معروف قبل 14 قرنا، فمثلا ختان النساء (*) أيضا كان من العادات والتقاليد التي كانت سائدة في صدر الأسلام، والتي تمارس بشكل لافت لغاية الأن في مصر، والتي تستوجب منعها لأنها ضد أنوثة المرأة وضد أنسانيتها، علما أن عادة أو تقليد الختان هو فرعوني الأصل، أذن لا بد من فكر حداثوي يقرأ النصوص/وحتى الأحاديث والتقاليد والأعراف أيضا، مهما كانت قدسيتها بعقلية أنسان اليوم، وذلك من أجل أن يقبل أو أن يتقبل هذا الأنسان هذا النص، الذي يعد غريبا عليه! فلا بد من تفسير توافقي مقبول على أقل تقدير للنص بفكر حداثوي منطلقا من الحياة المعاصرة لأنسان القرن 21!
فالحل هنا ليس الأسلام ببودقته الماضوية، بل هو الأسلام المفسر بفكر حداثوي مبني على قبول الأخر وليس قتل كل ماهو مخالف، أسلام مبني على فكر أنساني وليس فكر فوقي متعصب طائفي مغلق!.
الفكر هو تحليل ونتاج وأنعكاس وتأثر وتأثير وفعل ورد فعل .. لجملة عناصر يقف في مقدمتها، الأنسان، بأنسانيته ضمن المجتمع الذي يعيش به، وذلك لأن الأنسان هو الوسيلة والهدف، مع الأخذ بنظر الأعتبار تفاعله مع المجتمعات الأخرى، فلا يمكن للنبتة مثلا أن تنمو دون الهواء والتربة والماء وضوء الشمس ..، كذلك لا يمكن للأنسان أن يعيش في علب مغلقة، يطبق نصوص ماضوية، ثم يقول نحن الحق وما سوانا باطل، نحن الأيمان وغيرنا كافر، نحن “خير أمة أخرجت أخرجت للناس ..” وكل الأمم سبايا وعبيد يجب غزوهم في سبيل أقامة دولة الخلافة، ثم يصنف البشر الى كفرة ومنافقين وصليبيين وأهل ذمة و .. أيها المتحجرون! أدخلوا نطاق الزمن الحاضر، وأعلموا أن الفكر هو منهاج عمل لحياة اليوم والمستقبل، وهذه الحياة هي حياة البشر على أختلاف أنتماءأتهم الدينية والفكرية والعقائدية والاثنية. وليس صنف معين أو نوع خاص أو طبقة محددة من البشر.
————————————————————————————————
(*) وقد جاء في السنة ما يدل على مشروعية الختان للنساء، فقد كان في المدينة امرأة تختن فقال لها النبي: (لا تنهكي؛ فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل) رواه أبو داود ( 5271 ) وصححه الشيخ الألباني في “صحيح أبي داو ” .ولم يشرع الختان للإناث عبثا، بل له من الحكم والفوائد الشيء العظيم. وفي ذكر بعض هذه الفوائد يقول الدكتور حامد الغوابي: …. تتراكم مفرزات الشفرين الصغيرين عند القلفاء وتتزنخ ويكون لها رائحة كريهة وقد يؤدي إلى إلتهاب المهبل أو الإحليل، وقد رأيت حالات مرضية كثيرة سببها عدم إجراء الختان عند المصابات. / نقل من موقع الأسلام سؤال وجواب.