بقلم: حسيب عم بولص
تم انتخاب غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو بطريركاً على ألكلدان في 1 / 2 / 2013 ولم يكن حينها يؤمن بأنه كلداني يعود نسبه الى كلدان بابل، بل كان يؤمن بأنه كلداني لا تتعدى جذور كلدانيته أل 500 سنة، ولم يكن يؤمن أساساً بوجود أللغة ألكلدانية ألتي سماها بالسريانية، وهذا ما أوضحه وعبر عنه في بياناته وتصريحاته، وقد يعود سبب ذلك لتأثره بالأشوريين ألذين كانوا على اختلاط مباشر ومستمر معه منذ أن كان كاهناً، والذين كان لهم تأثير سلبي كبير وواضح على طريقة تفكيره فيما يتعلق بالقومية ألكلدانية. فبعد اعتلاء غبطته عرش ألكنيسة ألكلدانية أصبح مليئاً بالحماس وألرغبة في القضاء على ألهوية ألكلدانية وازالة تسميتها من ألوجود ومن ثم استبدالها بالهوية ألأشورية ألمزيفة. لقد كان غبطته مقتنعاً تماماً بمقولة يونادم كنا ألأشوري “ان كل أشوري يصير كاثوليكي تابع لروما يسمونه كلداني”. ومن هنا لا بد لنا من أن نتوقف قليلاً عند هذه ألنقطة أو هذه ألمقولة لكي نقوم بتفسيرها وتوضيحها وعلى ألنحو ألتالي:
يخبرنا ألتاريخ بأن ألأشوريين ألقدماء قاموا بغزو مملكة يهوذا وسبوا ألأسباط ألعشرة ( ألقبائل ألتي كان يقودها أولاد يعقوب بن اسحق بن ألنبي ابراهيم) وأسكنوهم في جنوب تركيا، ان أحفاد هذه ألأسباط تأثروا بأفكار ألمبشرين ألانكليز ألانكليكان الذين زرعوا فكرة ألأشورية في عقولهم وأذهانهم وأقنعوهم بتبنيها كقومية لهم بعد قدومهم الى مناطقهم في جنوب تركيا في سنة 1884 م، كما يخبرنا ألتاريخ أيضا بأن ألأشوريين ألقدماء قاموا بغزوات على ألممالك ألكلدانية وسبوا ما يقارب ألنصف مليون كلداني تم توزيعهم في ألمناطق في جنوب تركيا مع ألأسباط ألعشرة، وفي شمال ألعراق، أي ألمناطق ألمحاذية للدولة ألأشورية. بعد انتشار ألمسيحية، اعتنقها أليهود والكلدان في جنوب تركيا وألكلدان في ألعراق، ثم تبنوا هؤلاء جميعاً ألمذهب ألنسطوري لحين حدوث ألانفصال في 1551 م وتحول كلدان ألعراق الى ألكثلكة وبقاء أليهود وألكلدان ألمتواجدين في جنوب تركيا على ألمذهب ألنسطوري. بعد ذلك احتضنت ألنسطورية قوميات وأعراق مختلفة منها ألفرس، ألهنود، ألباكستانيين، ألصينيين،أفغان، بالاضافة الى اليهود وكلدان جنوب تركيا. قام أحفاد سورما خانم باضافة ألتسمية ألأشورية الى ألكنيسة ألنسطورية عام 1976 م ليتم صهر جميع الشعوب والأقوام ألمنضوية تحت سقف ألنسطورية في بوتقة ألأشورية، أي أشورتهم أو تهويدهم. فهل بمجرد اضافة ألأشورية ألمزيفة الى تسمية ألكنيسة ألنسطورية سوف يؤدي الى الغاء ألهوية ألقومية ألحقيقية لمن يتبنى المذهب ألنسطوري وتحولها الى ألأشورية ألمزيفة. فالمنطق يقول بانه من ألطبيعي جداً أن يعود ألكلداني الى جذوره ألأصلية ألكلدانية عندما يتحول من ألنسطورية الى ألكاثوليكية وهكذا بالنسبة لبقية ألأقوام التي تتبنى ألنسطورية.
وعلى ضوء هذا ألموقف ألذي اتخذه غبطة ألبطريرك بانحيازه الى ألأشورية وعدم اعطائه أي اعتبار للقومية ألكلدانية، التفتت مجاميع كثيرة من ألكلدان حول سيادة ألمطران سرهد يوسب جمو راعي أبرشية مار بطرس ألرسول في سان دييكو/ كاليفورنيا، ألذي كان ينشر ألوعي ألقومي ألكلداني، وتعاونت معه، والتي تشتمل على:
معظم ألأحزاب والتنظيمات وألمؤسسات ألكلدانية وألاتحاد ألعالمي للادباء والكتاب ألكلدان والمستقلين وألمثقفين وألقوميين ألكلدان. وعلى ضوء ذلك بدأ ألصراع ألفكري بين غبطة ألبطريرك ساكو وسيادة ألمطران سرهد، وطيلة فترة هذه ألخلاف أو ألصراع كانت سلطة ألبطريركية تتحدث عن وجود تمرد في أبرشية مار بطرس ألرسول يقوده سيادة ألمطران سرهد بسبب احتضانه وقبوله في أبرشيته للكهنة وألرهبان الذين تركوا أبرشياتهم دون استحصال ألموافقات ألاصولية. وهنا سنحاول قدر ألامكان أن نوضح اذا كان هذا فعلاً تمرداً حقيقياً بكل ما تعنيه ألكلمة من معنى أم ان هناك تفسير أخر له.
ان خروج هؤلاء ألكهنة والرهبان من ألعراق لم يحدث في وقت واحد، فعلى سبيل ألمثال ألاب نوئيل كوركيس يتواجد في أمريكا منذ 25 سنة، وخرج بعده البقية في أوقات متباينة، لكننا طيلة فترة خروجهم ولحين وصول غبطة ألبطريرك ساكو الى سدة ألبطريركية لم نسمع بأسقف يطالب بعودتهم ولا بأي بطريرك سابق يتهم ألمطران سرهد أو غيره بالتمرد، وهذا يدل على انهم أصبحوا ضحايا ألفكر ألقومي للبطريرك ساكو في تبنيه للهوية ألأشورية ألمزيفة ومعاداته للهوية ألكلدانية وللمطران سرهد ورغبته بالانتقام. كما انه لو كان غبطته صادقاً ويرغب في ضبط ألكنيسة ووضع حد للفلتان ألقائم فيها كما يدعي لكان قد أصدر قراراً منذ اعتلائه عرش ألكنيسة ألكلدانية يتضمن فرض عقوبات شديدة بحق كل رجل دين ينتهك قوانين ألكنيسة أو يترك ألكنيسة وأرض ألعراق ويلتحق بكنيسة اخرى في خارج ألعراق دون أن يحصل على موافقات اصولية، ويبدأ بالعمل بهذا ألقرار منذ تاريخ صدوره. من ألمعروف ان أبرشية مار بطرس ألرسول مع جميع ألأبرشيات ألكلدانية ألاخرى ألتي هي خارج حدود ألبطريركية هي تابعة ادارياً للفاتيكان وعلى هذه ألأساس قام ألمطران باجراء مباحثات مع ألفاتيكان لايجاد صورة حل ومخرج لهذه ألأزمة ألتي بدأ يعيشها هؤلاء ألرهبان وألكهنة منذ تولي ألبطريرك ساكو لقيادة سلطة ألكنيسة ألكلدانية، والذين كانوا لا يرغبون بالعودة الى ألعراق، وفعلاً تم ألحصول على موافقة قداسة ألبابا بقبولهم في ألأبرشيات ألتي يتواجدون فيها. ثم ان سيادة ألمطران سرهد كان قد وجه ثلاث دعوات للبطريرك لزيارة ألأبرشية وتفقد ألرعية ألكلدانية لكن غبطة ألبطريرك رفضها جميعها، وربما كان غبطته يخاف من ألتمرد ألقائم في أبرشية مار بطرس ألرسول ومن مؤامرة يخطط لها ألمطران للاستيلاء على منصبه.
أما فيما يخص ألخلاف حول موضوع ألطقس ألكلداني، ألم يكن من أللائق بالبطريرك ساكو أن يفكر بطريقة لتجاوز وانهاء هذه ألخلاف ويوجه بتشكيل لجنة يترأسها ألمطران سرهد لخدمته وخبرته ألطويلة في هذه ألمجال مع أساقفة أخرون لكي تقوم بمراجعة وتنقيح ألنسخة ألجديدة للقداس ألكلداني، وبهذا ألاجراء كان من ألممكن أن يكسب ثقة ألمطران وتتم ألمصالحة ألحقيقية تلقائيا وتتصافى ألقلوب ويتم تعزيز روح ألاخوة بينهما، لكن مع ألأسف ألشديد لم يبادر ألبطريرك بأي شيء من هذه ألقبيل.
دعا غبطة ألبطريرك ساكو الى توحيد ألكنيستان، ألكاثوليكية للكلدان وألنسطورية التي أضافوا اليها ألتسمية ألاشورية ألمزيفة، كما دعا أيضاً الى ألوحدة ألقومية وادعى بأننا شعب واحد. طبعاً مبادرة توحيد ألكنيستين صدرت من رئيس ألكنيسة ألتي تمثل ألكلدان ولم يعترض عليها أحد من ألكلدان، ليس هذه فحسب بل ان الشعب ألكلداني دائماً يقف مع ألوحدة ألكنسية مع أية جهة كانت في اطار ألكاثوليكية وهو يتحد ألأن مع جميع ألدول ألكاثوليكية في ألعالم، ولكن الذي يؤسف له ان البطريرك ساكو لم يدرج ألكنائس ألشقيقة ألاخرى المتواجدة في ألعراق ضمن اطار ألوحدة ألكنسية هذه وكان كل همه تحقيق ألوحدة مع ألأشوريين، لكنه تفاجأ بموقف ألمرجعية ألنسطورية ألتي فرضت شروطاً تعجيزية على طاولة ألحوار وألمفاوضات في موضوع تحقيق ألوحدة ألكنسية والتي تضمنت ألمطالبة ب:
-
ألانفصال عن ألفاتيكان
-
الغاء ألهوية ألقومية ألكلدانية واستبدالها بالأشورية ألمزيفة.
أما فيما يخص ألوحدة ألقومية فان غبطة ألبطريرك يعرف جيداً بأن ألنسطورية تتضمن أقوام وجنسيات متعددة كما ذكرناها أعلاه وهو الذي أعلن وأكد ذلك في أحد بياناته، فكيف نكون شعباً واحداً بدون وجود لأصرة ألدم تربطنا بهم؟
ان ألمرجعية ألنسطورية لا تريد أن تتحقق ألوحدة ألكنسية والتحول الى ألكثلكة بدون تحقيق شروطها، لأنها تعتقد بأن زوال ألنسطورية سوف يقضي على ألأشورية ويعود ألسبب في ذلك الى ان كل قوم من ألأقوام ألمنضوية تحت سقف ألنسطورية سوف يعود الى تسميته ألأصلية وتسمية أجداده ألقديمة في حال تحولهم الى ألكثلكة. نريد أن نطرح هذا ألسؤال على ألمرجعية ألنسطورية وألأحزاب ألأشورية:
ما هي علاقة أحفاد ألأسباط ألعشرة وعلاقة سورما خانم وأحفادها بأشور وبالتاريخ ألأشوري ألقديم وبعيد أكيتو وبالعلم ألأشوري في حين انهم لا يمثلون سوى سبايا للأشوريين ألقدماء؟
بعد فشله في تحقيق ألوحدة بين ألكلدان والأشوريين، لجأ غبطة ألبطريرك ساكو الى تأسيس ألرابطة ألكلدانية وأرادها على ما نعتقد بأن تكون ألبديل للوحدة ألكنسية بين ألكلدان وألأقوام ألمنضوية في اطار ألنسطورية الذين يسمونهم بالأشوريين.
ان تفاصيل هذا ألموضوع يذكرها ألاستاذ ألقدير مايكل سيبي بالكامل في مقاله ” أخوية ألرابطة ألكلدانية للبطريرك ساكو ألموقر” فيرجى ألرجوع اليه ومتابعته.
بعد كل هذه ألأحداث ألصاخبة ألمملوءة بالألم وبعد أن أصبحت ألثقة هشة ومهزوزة ان لم تكن تقريباً معدومة بين غبطة ألبطريرك وبين ألكلدان ألاصلاء ألذين يعتزون ويفتخرون بهويتهم ألكلدانية والذين لم يترك لهم غبطته أية فرصة للوثوق به في ألمجال ألقومي، أعلن غبطة ألبطريرك ساكو في ليلة وضحاها وبعد ثلاث سنوات من انكاره للقومية ألكلدانية واللغة ألكلدانية ومحاربته للقوميين ألكلدان ورجال ألدين ألذين عارضوا أفكاره في ألمجال ألقومي، بأنه كلداني من أصل كلداني يعود نسبه الى بابل ألكلدانية.
بعد اعلان ألفاتيكان عن موافقته على استقالة مار سرهد جمو في 7 / أيار / 2016 لبلوغه ألسن ألقانونية، أعلن ألموقع ألألكترني للبطريركية عن بشرى سارة والتي لا يمكن تفسيرها الا بشيء واحد وهو ألابتهاج بهذه ألمناسبة وهذا طبعاً لا يعتبر اساءة لمشاعر ألمطران سرهد فقط بل هو اساءة للشعب ألكلداني وللكنيسة ألكلدانية ولجميع رجال ألدين ألكلدان. وعلى أثر هذه ألاستقالة بعث ألفاتيكان ألمطران شليمون وردوني مدبراً رسولياً في أبرشية مار بطرس ألرسول، ثم صدرت قرارات من ألبطريرك ساكو بعد أن صادق عليها ألكاردينال ليوناردو ساندري رئيس مجمع ألكنائس ألشرقية، تضمنت طرد ألأب نوئيل كوركيس من ألكنيسة ألكلدانية، ونقل سيادة ألمطران باوي سورو الى لندن، ونقل ألكهنة والرهبان المشار اليهم أعلاه الى ألعراق، على الرغم من أن قداسة ألبابا كان قد صدر قرارات في أوقات سابقة تقضي بتثبيت ألمطران باوي في أبرشية مار بطرس ألرسول، وتثبيت هؤلاء ألكهنة وألرهبان في ألأبرشيات ألتي يتواجدون فيها.
وما ألتوفيق الا من عند ألله