كثيراً ما تتم الإشادة بـ «إقليم كردستان» باعتباره مركزاً للاستقرار في الشرق الأوسط، كما تعتبر قواته العسكرية ـ على وجه الخصوص ـ حصناً منيعاً ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش»). ومع ذلك، يواجه الإقليم عملية بلقنة محتملة يواكبها ظهور بعض الأصوات التي تدعو إلى الحكم الذاتي والانفصال عن الإقليم الكردي. وللأسف، ينشغل المسؤولون السياسيون المحليون والأحزاب السياسية في البحث عن مزيد من السلطة والثروة، وهو ما يضعف احتمال قيام دولة كردستان المستقلة.
ومن خلال إلقاء نظرة بسيطة على المشهد الكردي، تتراءى لنا الصورة القاتمة، حيث ساهمت العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن تضارب المصالح، في تشكيل أفكار انفصالية، خاصة في محافظات كركوك، والسلمانية، وسنجار.
فقد أعرب محافظ كركوك نجم الدين كريم خلال مقابلة مع صحيفة “روداو” الكردية، عن دعمه لفكرة تشكيل إقليم مستقل في محافظته، مبرراً موقفه بكون بغداد تتعامل مع كركوك معاملة غير عادلة، خاصة في مسألة المدفوعات المالية والأمن والتوظيف، بالإضافة إلى تلك المحاولات المزعومة لزيادة اللاجئين العرب، بُغْيَةَ فرض التغيير الديموغرافي على المحافظة.
وبالرغم من أن كركوك غير خاضعة ـ بصفة رسمية ـ لسيطرة «حكومة إقليم كردستان»، إلا أن قوات “البيشمركة” التابعة هذه الحكومة تمارس سيطرة فعلية على معظم المحافظة، وذلك في أعقاب انهيار الجيش العراقي أثناء مواجهاته لهجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» في عام 2014.
ويبدو أن انفصال منطقة كركوك يمثل حلاً وسطاً ومقبولاً لتلك المحافظة التي تتميز بتعدد الأعراق، والتي كانت مركزاً لصراع مستمر بين بغداد والأكراد خلال القرن الماضي. ورغم ذلك، فقد واجه طموحها الانفصالي سيلاً من ردود الأفعال العنيفة والانتقادات القوية على مختلف الجبهات حيث تعهد «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بالعمل على وقف المخطط الذي يتبناه محافظ كركوك، بالإضافة إلى إجراء استفتاء غير ملزم قبل الانتخابات العامة في الولايات المتحدة، حول ما إذا كان يستوجب على شعب كردستان أن يظل تحت السيادة العراقية، أو أن يشكل دولته المستقلة. أما حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» – الذي ينتمي إليه محافظ كركوك – فقد رفض بشكل قاطع فكرة وجود منطقة مستقلة في المحافظة، في حين أطلق بعض مسؤولي «الاتحاد الوطني الكردستاني» لقب “المشروع التركي” على ذلك الاقتراح، الذي يهدف إلى موازنة الهيمنة الكردية في العراق والسيطرة على نفط الإقليم.
ومع ذلك، فإن فكرة إنشاء منطقة حكم ذاتي ليست جديدة، فقد اقترحتها «الجبهة التركمانية في كركوك» للمرة الأولى في عام 2007، إذ ـ وفقاً للدستور العراقي حينذاك ـ كان من المزمع إجراء استفتاء لمعرفة ما إذا كانت كركوك ستنضم إلى «إقليم كردستان»، أم أنها ستختار البقاء ضمن نظام فيدرالي عراقي. غير أن الأكراد والعرب رفضوا هذا الاقتراح المبدئي في ذلك الحين. وفي عام 2008، أعاد الرئيس العراقي السابق جلال طالباني تنشيط الفكرة من جديد، وهو الشيء الذي أثار الجدل مرة أخرى.
ووفقاً للدستور العراقي، قد يواجه كل من طالباني ونجم الدين كريم اعتراضاً قانونياً ودستورياً، بالإضافة إلى بعض التحديات السياسية. فالدستور العراقي لا يسمح لاثنين من المناطق ذاتية الحكم بالانضمام إلى إقليم واحد، الأمر الذي دفع بعض المسؤولين الأكراد إلى القول بأن قيام إقليم منفصل في محافظة كركوك يعني القضاء نهائياً على حلم انضمام هذه المحافظة الغنية بالنفط إلى «إقليم كردستان». وهو ما أشار إليه عارف قرباني ـ مسؤول «الاتحاد الوطني الكردستاني»، حينما أكد على أن الخطر لا يكمن في فصل إقليم كركوك عن بغداد، وإنما في فصله عن كردستان. وذهب «الحزب الديمقراطي الكردستاني» إلى أبعد من ذلك، حيث رفض تلك الفكرة بشكل قاطع، واصفاً إياها بـ “الخيانة” وبالفكرة “غير المقبولة”. وعلاوة على ذلك، عبّرت الإدارة الأمريكية ـ في بيان صدر لها مؤخراً ـ عن دعمها لتشكيل حكومة موحدة عوضاً عن إقامة منطقة مستقلة في كركوك.
وعلى الرغم من الانتقادات الواسعة النطاق التي تعرض لها محافظ كركوك، فإنه ليس المسؤول المحلي الوحيد الذي يحاول التمرد على «حكومة إقليم كردستان». فهناك أيضاً بعض المسؤولين من محافظة السليمانية الذين يشعرون بالإحباط، ويسعون إلى إعلان “نظام حكم لا مركزي”، يسمح للإدارة المحلية بالسيطرة على شؤونها المالية الخاصة، وعلى التمويل. وقد مُنح مجلس محافظة السليمانية مهلة أسبوعين للرد على مطالب الإقليم.
كما أن رئيس مجلس محافظة السليمانية، هفال أبو بكر ـ قد أعلن في تصريح لـ “شبكة أخبار السليمانية” ـ على أنه في حالة عدم الوفاء بمطالب شعبه، فسيلجأ إلى اتخاذ تدابير أخرى، مثل: الاجتماع مع الأحزاب السياسية، وإطلاق حملات إعلامية، وإذا ما فشلت تلك التدابير، فستقوم الإدارة المحلية بتنفيذ اللامركزية في المحافظة واتخاذ القرارات التنفيذية بنفسها.
وإذا كان هذا هو الوضع في كل من كركوك والسليمانية، فإن محافظة سنجار لم تخرج عن نهجهما. فقد عانت بشدة من بطش تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي بسط سيطرته على أراضيها في آب/أغسطس 2014، وذلك بعد أن فشلت القوات الكردية في حماية المدينة، حيث تعرض آلاف اليزيديين للمجازر، كما تم استعباد المئات منهم. وقد أعرب بعض المسؤولين في محافظة سنجار ذات الغالبية اليزيدية، عن رغبتهم بحصول المحافظة على الحكم الذاتي والانفصال عن «حكومة إقليم كردستان»، وهو الأمر الذي تعارضه الأحزاب الكردية، وفي مقدمتها «الحزب الديمقراطي الكردستاني» – الذي يحصل على رعاية «حزب العمال الكردستاني». بيد، أدانت «حكومة إقليم كردستان» ذلك الإعلان واصفة إياه بأنه “غير قانوني ومخالف لقانون ودستور كردستان العراق”.
أمام هذا الوضع القاتم، ليس أمامنا سوى الانتظار لمعرفة ما إذا كانت كل من سنجار والسليمانية وكركوك ستمضي قدماً في تطبيق اللامركزية أم لا. ومع ذلك، تثير مثل هذه الدعوات الكثير من القلق، حيث تتعلق بالتمزق الذي يشهده سكان «إقليم كردستان»، الذين لا يزالون يعانون من نقص في الخدمات الأساسية، ومن الفساد المؤسسي، ومن انعدام الشفافية بشأن النفط والغاز، ومن الجمود السياسي المستمر بين الأحزاب السياسية الكردية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل سيستجيب «الحزب الديمقراطي الكردستاني» لمطالب الأحزاب الأخرى، فيجلس إلى طاولة المفاوضات مع «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«حركة كوران» وباقي الأطراف الأخرى، لدراسة كيفية تقاسم السلطة وتنشيط البرلمان، ومن ثم، الخروج بمعاهدات جديدة تكفل حقوق جميع الأطياف، أم أن المصالح الضيقة فضلاً عن دخول أطراف خارجية على خط المفاوضات قد يؤدي إلى التخلي عن إمكانية قيام كردستان مستقلة، بغض النظر عن بعض الظروف الوطنية والدولية المواتية.
يريفان سعيد
معهد واشنطن