فلاح العراقي
إن عقيدة (الانتظار) هي عقيدة سلبية عقيمة وقد أضرت بـ ( الشيعة ) عبر التاريخ وأخرجتهم من مسرحـــه ، ولذا فقد ثار عليها أنصار نظرية ولاية الفقيه ، ولكن ليس كل الفقهاء ( الشيعة ) يؤمنون بهذه النظرية ، فهم قد كفروا بنظرية الانتظار عمليا ، وقاموا بالالتفاف عليها بدعوى التمهيد للإمام الغائب ، وأنتجوا في نفس الوقت نظريات جديدة تتيح لـ ( لشيعة ) ممارسة الحكم والسلطة ، ومن هنا أعتقد أن إيمانهم بالنظرية الديمقراطية هو إيمان واقعي وليس تكتيكا ولا تقية ، ولكنه إيمان ينفصل عن العقيدة التاريخية المذهبية التي لم يعد الإيمان بها قويا وراسخا وجذريا ، بل تعرض للكثير من النقد والمراجعة ، وآمل أن يؤدي ذلك عما قريب الى مراجعة كثير من المقولات المذهبية العقيمة والميتة والتخلي عنها على المستوى النظري بعد التخلي عنها على المستوى العملي والواقعي .
يقول السيد علي الأميني : {والفكر السياسي الإسلامي المعاصر شهد تطورات إيجابية كثيرة منذ حوالي مائة عام ، وقد حاول التقدم بخطوات كبيرة في أواخر العهد العثماني ، ولكن انقلاب كمال عطا تورك على الخلافة العثمانية والدين الإسلامي ، ولد ردة فعل عاطفية سلبية نحو التمسك بصيغة الخلافة القديمة التي لم تكن بالضرورة تعبر عن الإسلام ، بقدر ما كانت تعبر عن التراث القومي والقبلي للمسلمين . ولذلك لا نزال نشهد حتى اليوم من يطالب بإعادة نظام الخلافة ويعتبره النظام الإسلامي الفريد المفقود ، ويعادي التجربة الإنسانية الديمقراطية الغربية باعتبارها كفرا وإلحادا ولا يمكن أن تلتقي مع الإسلام أبدا ، ولو بذلنا جهدا أكبر لدراسة التجارب السياسية القديمة بدءً من تجربة الصحابة التي كانت تجربة إنسانية عرفية عقلية بنت ظروفها الاجتماعية الخاصة ، ولم تكن مؤسسة على نصوص من القرآن أو السنة الذين تركا المجال السياسي مفتوحا للمسلمين أمام التطور، وانتهاء بأنظمة الخلافة العباسية والعثمانية ، لتوصلنا الى حل العقد التي تحول دون تطورنا اليوم وأخذنا بالنظم الديمقراطية الحديثة التي توفر العدالة والمساواة وتعطي الأمة السلطة كاملة لها بدل أن تحصرها بيد شخص أو حزب أو طبقة من الناس.}
ما حقيقة أصل ولاية الفقيه ؟
إن ولاية الفقيه – في الفقه ( الشيعي ) – كانت تطرح سابقا في إطار ما يسمى بالوصاية ، أي الولاية على الصغار والقاصرين وعلى فاقدي الاهلية لإدارة شؤونهم الإنسانية والإجتماعية ، وقد أعطيت الطابع السياسي بداية في إيران أوائل القرن التاسع عشر حين نشب صراع بين المشروطة والمستبدة ، وبعدها في زمن خميني من أجل إعطاء الفقيه صلاحيات دينية واسعة في قيادة ( الثورة ) والدولة بعد ذلك . والخروج على الحاكم – بحسب الشيعة – تستلزم سفك الدماء والهدم والقتل تحتاج الى إذن خاص من الإمام ( المعصوم ) ، وبما إن الإمام غير موجود ! طرحوا مسألة ( الولي الفقيه) ومنحه صلاحيات واسعة في ( الثورة ) وإقامة الدولة ، أي منحه الهالة الدينية المطلوبة . ومما يجب معرفته عن ولاية الفقيه لا بد من الإشارة الى إن مشروع الولي الفقيه يلتقي مع المشروع الصهيوني في إضعاف الأمة وتفتيتها وتمزيقها ، ويتعاون معه في بعض الاماكن والأحيان :
أولا . المشروع الصهيوني ، الذي بدأ خططه منذ نهاية القرن التاسع عشر ، والذي نجح في إسقاط الخلافة العثمانية ، ثم في إقامة ( اسرائيل ) ، وما زال يسعى الى تمزيق الأمة وتفتيتها وإضعافها من اجل أن تبقى ( اسرائيل ) هي القائدة لدول الشرق الأوسط .
ثانيا . إن مشروع الولي الفقيه الإيراني ، الذي بدأ منذ أن وصل خميني الى سدة الحكم عام 1979 ، والذي يخطط لنشر المذهب ( الشيعي ) وتحويلهم الى ( أكثرية ) في الأمة ، وبذلك ومن أجل تحقيق هذه الغاية فأنه يلتقي مع ذات المشروع الصهيوني في إضعاف الامة ، وليس من شك في أن الواعين من أبناء الأمة هم الذين يتصدون لكلا المشروعين بإعتبارهما يمثلان عليها خطرا جسيما ، اما المغفلون والمصابون بقصر الإبصار فهم وحدهم الذين يرون إن ولاية الفقيه هي الخلاص والنجاة من جميع اللجج والآفات .!
مالذي فعله الولي الفقيه منذ عام 1979 ولحد الآن ؟
بدأ مشروع الولي الفقيه بالقضية الفلسطينية لأنّه وعى أنها خير مدخل إلى قلوب مسلمي العالم ، وقد ذكر خميني فـــي أحدى اجتماعاته مع المقربين منه أنه : إن لم يكن لنا رصيد فـــي القضيــــة الفلسطينية فعملنــــا السياسي لا قيمــة له ، لذلـــــك ركزت إيران على فتح أبوابهــا للمنظمــات والحركــات والشخصيات الفلسطينية ، وكــان ياسر عرفات رئيس منظمــــة التحرير الفلسطينية أول من زار الخميني عام 79 من الشخصيات العالمية، لكن التحالف بـين إيران ومنظمة التحريـــر انفكت عراه بعد أن بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980.
لكن إيران استمرت في البحث عن أصدقاء وحلفــاء جــدد في الساحة الفلسطينية ، فأقامت علاقات وثيقـــة مع حركـــة الجهـــاد في بداية الثمانينيات ، وأمدتها بالأموال ، وأبرزتها في إعلامها ، وقد تعدّت العلاقات بين إيران وحركة الجهاد الإطـــــار السياسي إلى الإطار الثقافي، فقد اعتبرت حركة الجهاد في دراسة لمؤسسها فتحي الشقاقي أن الخلاف بـــين السنة والشيعة خلاف تاريخي ، وأن السياسة هي التي أنشأته وغذته، وأنه خلاف في الفروع وليس في الأصول ، وقد تبنت إيران هذه الدراسة وطبعت منها آلاف النسخ ووزعتها في كثير مـــن البلدان الإسلامية ، لذلك مثلت حركة الجهاد حليفًا رئيسيًّا لإيران في الساحة الفلسطينية .
أعلنت حركة حماس عن وجودها الرسمي عام 1987 ، وأقامت علاقات مع إيران في تسعينيات القرن المنصرم ، وقد أمدتها إيران بالأموال وأشركتها في مؤتمراتها ، وإبرزتها في إعلامها وسهلت وجودها في لبنان عن طريق حليفها ( حزب الله ) . وقد نجح الولي الفقيه في تقسيم فلسطين المقسمة أساسا فجعل من غزة دولة تقودها حماس بمعزل عن القيادة الشرعية المتمثلة بمحمود عباس ابو مازن .
وقد أصبحت إيران عن طريق علاقتها الوثيقة بحركتي الجهاد وحماس بالدرجة الأولى وعن طريق علاقتها بحركـــــات أخرى مثل جبهة التحرير الفلسطينية (القيادة العامة) التي يرأسها أحمد جبريل بالدرجة الثانية ، لاعبًا رئيسيًّا فــــــــــي الساحة الفلسطينية ، وذات تأثير في القرار الفلسطيني، وبهذا تحقق الهدف الذي كان يرمي إليه الهالك خميني .
وفيما يتعلق بلبنان ، فإن إيران استثمرت الطائفة الشيعية هناك فأنشأت حزب الله عام 1982 ، وقد رفع هـــــذا الحزب راية مقاتلة ( اسرائيل ) وتحرير جنوب لبنان المحتل ، فأمدته هو الآخــــــر بالسلاح والأموال وجعلت منــه دولة داخل الدولة اللبناينة ويتحكم بكل شئ ، وقد تعدى إرتباط حزب الله بايران العلاقة التقليدية فأصبح جزء من مشروع الولــــي الفقيه حاملا رسالته الفكرية والثقافية والدينية ، ولم يخف حزب الله ذلك بل صرح به في أكثر من مكان فـــــــي أدبياته المعلنة وعلى لسان المدعو حسن نصر الله .
أما مخطط الولي الفقيه بالنسبة للعراق فقد قام منذ اللحظة الأولى على التطلع إلى السيطرة على المراقد في النجف وكربلاء ، وعلى دعوة الشيعة إلى الثورة على نظام صدام حسين ، والذي أدى إلى الحرب العراقية الإيرانية التي أكلت الأخضر واليابس بالنسبة للبلدين والتي بدأت عام 1980 وانتهت عام 1988، ثـــــم تعاونت إيران مع أميركا في غزو العراق عام 2003 وهو هدف ( حقير ) من أهداف الولي الفقيه .
وأدى هذا الغزو إلى تدمير العراق تدميرًا كبيرًا في مختلف المجالات : الاقتصادية والزراعية والاجتماعية والعلمية ، واستهدف الغزو الأميركي تفكيك الجيش العراقي ، وتدمير القوة العسكرية العراقية التي كانت تشكل عماد الجبهة الشرقية في مواجهة ( إسرائيل ) ، واستهدف إنشاء جيش جديد ، وقد فعل الحاكم الأميركي بريمر ذلك لصالح (إسرائيــل ) .
وقد جئ بأقذر اناس من شتى بقاع الأرض فسلموهم زمام الامور فوصل العراق الى ما وصل اليه من إنحطاط ببركـــــة الولي الفقيه . ومن هؤلاء عبد العزيز الحكيم وأخاه المجرم الهالك وأبن اخيه عمار الذي لا يفقه حتى أسماء مدن العراق عامة وبغداد خاصة ، ومنهم العميل والموغل بالعمالة هادي العامري وفيلقه المعروف بفيلق بدر والذي تحول الى منظمة بدر فيما بعد وقد أنشق بدوره عن جماعة الحكيم بتحريض من نوري المالكي . ناهيك عن البقية والذين هم نتاج قذر من نتاجات الولي الفقيه .
أما مخطط إيران بالنسبة لمصر وشمالي أفريقيا فقد قام على نشر التشيع هناك ، وقد أدرك الشيخ القرضاوي فعلتهـــم تلك ولمس ذلك ، فدعاهم إلى التوقف عنه ، وهو ذات الشيخ الذي كان موقفــه معتدلاً من مذهبهم ، وتعاون معهـم أكثر مـــــــن عقدين في مجالات توحيد الأمة ، في مجالات مواجهة الغزو الصهيوني والغربي، وفي مجال الاتحاد العالمــي لعلمــــــاء المسلمين ، وتلخصت خطة الشيخ القرضاوي التي عرضها عليهم ، بأن لا تكون هناك دعوة إلى التشيّع فـي المناطق ذات الأغلبية السنية ، كمــا لا تكــون هناك دعوة إلى التسنّن فـــــــي المناطق ذات الأغلبية الشيعية مـــن أجل استبعاد الاحتكاك والتنازع ، لكن آيات الله في إيران رفضوا ذلك .
أما بالنسبة لسوريا فقد تحالفت إيران مع النظام السوري مع أنه نظام علماني لا ديني ، ودعمته في كل المجالات أكــثر من ثلاثة عقود ، وقد استغلت إيران العلاقة الطيبة مــع النظام السوري فنشرت المذهب الشيعي فــي كــل أنحاء سوريا ، وأقامت الحوزات العلمية والحسينيات ، وأحيت كثيرًا من الآثار الشيعية التي كانت مندثرة فـــــــــي سوريا مثــــل قبر “السيدة زينب” في محيط دمشق ، الذي رممته وأقامت حولــه الفنادق والأسواق ، وشجعت الشيعة لزيارته والقيـــــام بواجب التقديس نحوه ، من أجل تدعيم المذهب الشيعي في سوريا ..
أما بالنسبة للخليج واليمن فإن مخطط إيران قام على تحريك الطوائف الشيعية الموجودة فـــي مختلف البلدان الخليجية ضد حكوماتها ، والوقائع كثيرة فـــــي هذا المجال ، وأبرز نموذجين لذلك هما : البحرين واليمن ، فالبحرين قــد حركت إيران الشيعة فيها ، وطالب بعض قادتها بضم الجزيرة العربية الى إيران كما صرح بذلك اكثر من مسؤول فيها ، امــــا اليمن فقد دعمت ايران الحوثيين وأمدتهم بالسلاح والمال مما جعلهم يقيمون عدة حروب ويتطلعون الى الانفصــــــال . إذن فمن الواضح أن مشروع الولي الفقيه قد قطع مراحل بعيدة – كما رأينا – مــن أجــل تحقيق أحلام الإمبراطوريــــة الفارسية ، ويأتينا من ياتينا ليصبغ هذه القذارة بصبغة دينية ، والدين منها براء . ومـــــن المؤسف حقا أن يغط العرب المسلمون بالنوم كأهل الكهف دون أن يدركوا ماذا يخطط دهاقنة الفرس وأتباعهم .
الثمار التي أقتطفها الولي الفقيه :
الأول : تفكيـــك الجيش العراقـــي وهـــو الجيـــش الأقــــوى فــي المنطقة بعـــــد انسحاب مــصر مــن ساحـــة الصراع مـع ( إسرائيل ) حسب اتفاقات كامب ديفد عام 1977 ، وإنهـاء الجبهة الشرقية في مواجهة إسرائيل، ومن المؤكــــد أن هذا يصب في مصلحة ( إسرائيل ) .
الثاني : تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات : كردي في الشمال ، وسني في الوسط ، وشيعي في الجنوب، بعد أن كان كيانًا واحدًا ، وهذا يصب في مخططات ( إسرائيل ) التي رسمتها للمنطقة منذ أن تشكل كيانها الغاصب في نهايــة الاربعينيات والبقية ستأتي تباعا بفضل الجهلة والأغبياء الذين يركضــــــون وراء أحلام العصافير المعششة فــي رؤوس الأعاجم ، ومن الغريب ان أقرأ لأحد الزملاء دفاعه المستميت عـــــن تلك الفكرة الفارسية التي رفض السيستاني السير في ركبها على الرغم من هويته ولسانه الفارسيتان ، فضلا عن سائر مراجع ( الشيعة ) ترى ما لسر الكامن وراء كل هذا ؟ هـــل هي دعوة الى الخوض في الوحل الفارسي حد الأذنين ام ان وراءها أسرار لانعرفها ؟ فهل وجد ذلك الزميل ضالته فــي المعممين الذين قادوا العراق نحو شفا جرف هار وجروه نحو الدمار بعد ان كان قبلة يؤمها العلماء من كل اقطار الدنيا وما الذي لمسه من ( منجزات ) صبت في جيب الفقير ( الشيعي ) قبل غيره من مختلف الملل ؟ أتقوا الله فيمــا تكتبون وما تنقلون وكفاكم انحيازا للفرس ومن الذين على شاكلتهـــم مــن شذاذ الآفاق .. لنــا موعد آخــر في موضوع اكــــثر حساسية وأشد وقعا وتأثيرا .. فارتقبوا ..