بدأ يسوع بتشكيل بجمع تلاميذ له حسب الإنجيل للأحد الرابع من الدنح (يوحنا 1: 43)، ففي الأحد الماضي كان اثنين من تلاميذ يوحنا المعمدان تبعوا يسوع وأمضوا وقتا طويلا عنده حيث كان يسكن. واليوم اثنين آخرين (يوحنا 1: 35- 42).
هؤلاء الاشخاص لهم شيء مشترك بينهم وهو انهم يبحثون عن شيء قد فُقد في اسرائيل وهو أمانة الرب ووصاياه، يبحثون عن المسيح المخلص ليخلصهم من عبودية المحتل، لذا كل واحد يذهب عند أخيه كحالة أندراوس وأخيه شمعون “كيبا“ او صديقه فيليبوس ونتنائيل، اذ يخبره ذاك بأنه وجد الذي يبحث عنه وهو المسيح المخلص، وهؤلاء بدورهم يأخذونهم عند يسوع فيَقبلهم من ضمن مجموعته.
هنا فيليبوس يقول لنتنائيل انه وجد المسيح انه ابن يوسف من ناصرة، والأخير له نظرة غير سليمة على قرية الناصرة، فسأل: وهل يخرج شئ صالح من تلك القرية؟؟؟ فقيل له “تعال وانظر”! أن أندراوس وفيليبوس كانا اول من بشر بيسوع المسيح كي يجلبوا الناس عنده بعد اندراوس، وبعد ان اقتنعوا بأنهم وجدوا الذي كانوا يبحثون عنه.
نتنائيل يشبه على حد قريب شخصاً كلدانياً له نظرة على القرية المجاورة لقريته او على القرى الأخرى أيضاً، وانه افضل منه لهذا لا يجوز ان يكون شئ صالح من هؤلاء الموجودين في تلك القرية، لأني انا افضل منه.
لهذا يقول يسوع له انك “اسرائيل لا غش فيك” (يوحنا 1: 47)، وكأنه يقول: انك ذاك الكلداني! لا غش فيك، لأنك تنظر الى أخيك كأنه أقل منك. فيسوع لا يجادل نتنائيل عن أصله وفصله، ولكن يبرهن له من هو، هو الذي يبحث عنه وقد وجده.
لربما كان نتنائيل احد الأعضاء الذين كانوا ينتظرون تحريرهم من الإستعمار الروماني والذي كانت أورشليم تحت حكمهم. ويُشار عنه بأنه أحد الغيارى* الوطنيين والقوميين. يسوع له تلميذ اخر من نفس المجموعة وهو شمعون الغيور (متى10: 4، مرقس 3: 18، لوقا 6: 15، اعمال الرسل1: 13)
اي ان يسوع شكل مجموعة تلاميذته مختارين من بين عامة الشعب الذي كان موجودا أمامه، ولكن كانت هذه المجموعة لا تزال تبحث عن من ” الذي ذَكَرَه موسى في الشريعة وذَكَرَه الأنبياء”.
لماذا يبحث الناس عن الحقيقة اذا كانت الحقيقة امام اعينهم ولا يروها الا بعد أن يثبت لهم ذلك؟ وعكس هؤلاء الذين لا معنى في حياتهم وهم في نفس الوقت يتذمرون ويتشكون على الوضع الذي فيه، وعندما تسألهم ماذا تريدون؟ فهم لا يعرفون، وإذا تبرهن لهم عن ما يبحثون، لا يقبلون ان يقتنعوا بذلك، وكل ما يستطيعون قوله هو: ماذا نقدر ان نعمل؟ “كيزيليه” أو: اذا كنا جميعنا يد واحدة لعملنا كذا وكذا ولم نترك بيتنا يهدم ويدمر! هذا الكلام فارغ لا ينفع… يسوع يريد فعلة لهم شجاعة.
فيسوع لا يكترث الى ذلك لأن الذي يتبعه يجب ان يترك كل شيء، كما يقول عن الحارث بأنه لا يضع يده على المحراث وينظر الى الوراء. وايضاً عن الذي أراد ان يتبعه ولكنه قال أولا دعني اذهب لأقبر والدي ثم أتبعك… (لوقا 9: 59- 62).
رسالة الإنجيل اليوم لنا يجب ان نبشر بما نؤمن وبالحقيقة التي رأيناها امام اعيننا وليس بمقولة نتنائيل: هل يخرج شيء صالح من الناصرة. هل فلان عنده الحقيقة وأما البقية فلا.
هذا السؤال هو لكل واحد منا، انتَ وأنتِ، كيف ترون وماذا تشاهدون كي تقولوا الى اقاربكم وأصدقائكم “تعال وانظر”.
*هؤلاء الغيارى القوميون كانوا ينتظرون إنقاذ بلدهم لهذا لا يتعاونون مع المستعمر كما كان الفريسيين والكهنة في الهيكل. انه من غير الممكن لشخص ان ينقذ كنيسته او أمته وشعبه وهو أسير لجهة سياسية أو متعاون مع المحتل والدخيل.
كيف؟؟؟ حتى اذا لم يكن منتميا لجهة سياسية ما دام يستلم (بأسم المساعدة) مالاً وراتباً شهرياً ومنح للبنايات والإعمار. مثل هذا الشخص هو تحت سلطة غير دينية، والذي يقبض اي شيء من الدولة (المكرمات وليس كحقوق مكتوبة في الدستور) عليه ان يدفع الثمن: اولا حريته وضميره ثانية، حتى اذا تكون هذه الجهات جمعيات باسم الإنسانية لهم دوافع سياسية من اجل خدمة بلدهم. فكيف تقبل دولة مثل اميركا ان تدفع من ضرائب شعبها لجماعة ما و لبلد اخر ما لم يكن لهم غاية من ذلك.
انه لا يمكن انقاذ كنيسة او أمة الا من قِبل ابنائها، لكن على المنقذ ان لا يكون مشتركاً مع القابضين والفاسدين. فالذي يخدم المذبح يعيش (يأكل) من المذبح، ولا يقدر ان يعمل لسيدين!
بهذا الترابط القريب بين الموضوع الإنجيلي والواقع المأساوي الذي نعيشه اليوم روحيا وحضاريا في مجتمعنا، اختتم الأب نوئيل كوركيس موعظته للأحد الرابع من الدنح حسب طقسنا الكلداني المشرقي، وذلك للقداس الإلهي الذي أقامه مساء السبت 28 كانون الثاني 2017، في كنيسة مار يوحنا المؤجرة في الكهون. علماً انه من بداية شهر شباط القادم سوف يقام القداس ايام الآحاد في الساعة 4:00 عصراً.