منقول من صفحة ليون برخو
توطئة
مجمع السينودالية للكنيسة الرومانية الكاثوليكية ليس وليد اليوم. إنه وليد فكرة عملية ونظرية وإنجيلية طرحها البابا فرنسيس في عام 2020، ومنذ حينه يلتئم الالاف من الأساقفة ورؤساء الأساقفة الكاثوليك مع ممثلين عن الكنائس الأخرى تقريبا كل سنة لمناقشة حالة الكنيسة الجامعة وكيف لها أن تبقي على وهيجها في خضم تطورات تقلب العالم على عاقيبه.
وشخصيا تتبعت إجتماعات السينودالية وعلى الخصوص الأجتماع الأخير الذي سيختتم أعماله بعد أربعة أيام (من يوم كتابة هذا التقرير). وأقرأ بنهم ما تكتبه الصحافة الكاثوليكية عن السينودالية من تقارير تكاد تكون يومية وعلى الخصوص التي نقلها صحفيان كاثوليكان بارعان هما إدكار بلتران وإيد كوندون.
وللعلم فإن الصحافة الكاثوليكية نشطة وهامة ومؤثرة وعلى الخصوص في الولايات المتحدة.
ما هي السينودالية؟
ولم يتطرق البطريرك الكاردينال لويس ساكو إلى معنى السينودالية في تقاريره ولماذا تهتم بها الكنيسة وتمنحها كل هذه الأهمية. كل تقاريره كانت مليئة بالهمز واللمز حول صراعه المرير مع نفسه ومع أشقائه الأساقفة الكلدان حيث يمط حتى هذا الحدث الإنجيلي الإلهي المحوري في حياة الكنيسة إلى أغراضه النرجسية الخاصة.
كتعريف مبسط أقول إن السينودالية تعني قبل أي شيء أخر إيجاد سبل تسهل لنا نحن المسيحيين، كاثوليكا او غيرنا، السير معا كشعب الله مستنيرين بإنجيل المخلص يسوع المسيح. السينودالية تعني أيضا الإستماع الى كل فرد كعضو في الكنيسة بغض الطرف عن مكانته وشأنه ودرجته الكهنوتية كي نسمح لله أن يظهر في حياتنا وأن يتحدث إلينا ونتحدث إليه.
تقارير البطريرك ساكو والسينودالية
لم يكن هناك ولو إشارة بسيطة إلى أهمية الإستماع للسير في طريق الله والإنجيل في كل ما كتبه البطريرك الكاردينال ساكو. جل ما كتبه من تقارير تنضح بترهيب معارضيه من الكلدان من لقاءات يقول إنه أجراها ومداخلات يقول إنه أدلى بها. وحتى وإن جرى وأقتبس من الكتاب، فإن الإقتباس هو لغاية في نفس يعقوب ليس إلا، لأنه بعيد عن روح السينودالية.
وأجزم أن ما كتبه البطريرك الكاردينال لويس ساكو في موقعه وعلى منصات التواصل الإجتماعي محض إفتراء، ولا علاقة له بما يجري في أروقة الإجتماعات هذه، ولم يرد ذكر لما يقول إنه مداخلات “مهمة” له، ولم يرد ذكر على الإطلاق له ولا اللقاءات التي يقول إنه يجريها ومنها قوله إنه إلتقى البابا فرنسيس مرتين، والعهدة على ما تنقله الصحافة الكاثوليكية.
كل ما ورد في تقارير البطريرك الكاردينال لويس ساكو محض تخيلات لا واقع لها وتدور كلها في دائرة الصراع الداخلي المرير الذي يعيشه والنرجسية المفرطة التي هي سمة يبدو أنها لا تفارقه ولو للحظة.
يلوي عنق حقيقة مؤتمر السينودالية المهم هذا، من خلال إيماءات إستفزازية موجهة أولا ضد معارضيه من الأساقفة الكلدان ومعارضيه من الكلدان الغيارى على لغتهم وطقسهم وتراثهم وآدبهم وفنونهم التي يشن عليها حملة إبادة دون أن يرف له جفن او يوخزه ضمير.
مسائل شخصية
كيف لبطريرك وكردينال أن يقحم مسألة التجدد بالفهموم الهدام الذي يحمله حيث بالنسبة إليه يعني هدم التراث الكلداني برمته وإستبداله وتعريبه وإنتحاله في السينودالية بينما السينودالية ذاتها كما يرد في التقارير الصحافية لم تناقش إلا مسائل تخص سبل تسهل لنا نحن المسيحيين، كاثوليكا او غيرنا، السير معا كشعب الله مستنيرين بإنجيل المخلص يسوع المسيح وأن الإستماع إلى كل عضو في الكنيسة يوازي الإستماع إلى أي أسقف أو كاهن مهما علا شأنه ومقامه. هذا هو جوهر السينودالية.
أين تقارير البطريرك الكاردينال ساكو من هذا؟ حتى السينودالية حولها إلى مهرجان خطابي في موقعه ووسائل التواصل الإجتماعي للحديث عن نفسه وصراعاته وترهيب معارضية وتخويف كل من يقف في طريقه من ابناء كنيسته وشعبه؟
غياب الشفافية
إن ما يرد في أروقة الفاتيكان يشي أن البطريرك والكاردينال ساكو إستغل مكوثه الطويل (حوالي شهر) في الفاتيكان ليس كي يتعلم من السينودالية كحياة وعيش مع الله والإستماع دائما إلى المؤمن من كان بل للتأمر على أشقائه الأساقفة الكلدان وتحريض أصحاب الشأن هناك عليهم. وفي كل مناسبة تواجد البابا في مؤتمر السينودالية يهرع إليه الكاردينال مستنجدا كي يمنح له تفويضا لمعاقبة الأساقفة الكلدان المعارضين لإدارته.
وأخر مرة يقول البطريرك الكاردينال ساكو إنه كان مع البابا حدثت في ختام جلسة يوم الأربعاء المصادف 23 أكتوبر/تشرين الأول حيث يقول إنه ذكره (أي ذكّر البابا) بالمواضيع التي ناقشها معه في المقابلة الخاصة … فأجاب قداسته: “أنه مهتم” ويضع عبارة “أنه مهتم” بالخط الأحمر، واللون الاحمر من مدلولاته وسياقاته أنه يؤشر الى الخطر والتهديد. (بالطبع لغويا هذا خطأ لا يغتفر، لأن عبارة “أنه مهتم” إقتباس تعبيري ولا يجوز تنصيصها، ويظهر جهل البطريرك المدقع بأبسط مبادىء الكتابة باللغة العربية).
لماذا لا تكن شفافا وصادقا يا غبطة البطريرك – ولكن متى كنت كذلك – مع نفسك اولا وشعبك وكنيستك ثانيا وتقول علانية ما هي هذه المواضيع التي ذكّرت البابا بها والتي تقول “أنه مهتم بها”؟ ولكن الغش والخداع وما يرقى إلى الإفتراء هو ديدن هذه الخطابات والتقارير الخالية من اللياقة والكياسة والنزاهة والتوازن.
الكنيسة الكلدانية إلى أين؟
ماذا حل بالكنيسة الكلدانية في السنين العجاف الأخيرة؟ بطريرك الكنيسة الكلدانية يستنجد بالأجانب في الفاتيكان (أجانب بمعنى لهم طقسهم وثقافتهم وتراثهم الخاص بهم) ضد إخوة له من الأساقفة الكلدان لمجرد أنهم يخالفونه من حيث طريقة الإدراة والتعامل مع الطقس والتراث واللغة والفنون الكنسية.
هل تتذكر سلفك البطريرك الكاردينال عمانوئيل دلي وكيف قمت بقيادة مجموعة من الأساقفة ليس ضد إدارته بل الإطاحة به؟ هل قدم شكوى ضدك لدى الفاتيكان؟ هل ذهب وتوسل بالبابا كي يعاقبك؟ هل كتب تقارير ضدك؟ من أي طينة أنت يا غبطة البطريرك الكاردينال ساكو؟
ألهى البطريرك الكاردينال ساكو عن كل مكرمة وخبر وحدث في إجتماع السينودالية – الذي هو مثار إهتمام العالم المسيحي برمته لأن يرتاده ممثلون تقريبا عن كل الكنائس غير الكاثوليكية وعلى الخصوص الرسولية منها – ألهى عن كل مكرمة وحوّل السينودالية في تقاريره إلى معركة كسر عظم مع إخوة وأشقاء له.
ما يطلبه البطريرك ساكو ويبدو أنه مصر على الحصول عليه – رغم أن ذلك أمر بعيد – هو بيان أو ورقة موقعة يطلب فيه الفاتيكان من معارضيه الأساقفة الكلدان تقديم إعتذار علني له وتقديم الطاعة العمياء له كي يلعب بالساحة كما يشاء ويهدم ما بقي من أركان هذه الكنيسة العظيمة.
ينسى البطريرك والكاردينال ساكو أن محور نقاشات مؤتمر السينودالية كانت التركيز من البابا ومن أعيان الكنيسة على أن زمن السلطة المطلقة ولى في الكنيسة وأن الأساقفة والمسؤولين عليهم اليوم أن يسمعوا كثيرا ويتحدثوا قليلا جدا، يسمعوا للكل ويأخذوا رأي الكل قبل إي قرار يتخذونه خارج نطاق أسس العقيدة.
النرجسية المفرطة تلقي ظلالها على محاور النقاش
حوالي 54 شهرا من السينودالية ومئات الإجتماعات والجلسات وعشرات الآلاف من المشاركين، ونفقات تصل إلى الملايين من الدولارات كلها يختصرها البطريرك ساكو بالتركيز على نفسه وخلافاته وصراعاته والنيل من معارضيه.
لم يتحدث لنا عن الخلافات بين المحافظين والليبراليين بين المشاركين ولا التحديات الخطيرة التي تواجهها الكنيسة والتي جرت مناقشتها بإستفاضة ولا الخلافات العميقة حول دور المراءة وتضاؤل دور الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا الغربية ومنها إيطاليا. همه الوحيد التحدث عن نفسه وصراعاته.
لقد جرت مناقاشات صريحة حتى عن دور البابا ومسؤولياته ودور الأساقفة ومسؤولياتهم والثقة المتدنية بالأساقفة والكهنة، ولكن كل هذه المسائل المصيرية لم يحاول أبدا التطرق إليها في تقاريره عدا نرجسيته أي الحديث عن نفسه والنيل من معارضيه من خلال إيماءات وإشارت تفتقر إلى اللياقة.
كانت السينودالية فرصة للكنائس الشقيقة أن تدلو بدلوها ولكن بالنسبة لبطريركنا العتيد ليس هناك كنيسة أو رجل دين غيره في الساحة وتقاريره يجب ان تركز عليه وعلى صراعاته التي لا تنتهي.
جرى الحديت في السينودالية عن كيف صار إعلان الإنجيل في الغرب من المسائل الصعبة بالنسبة للكنيسة وكيف أن الكنيسة ترى من العسر عليها التأثير في الغرب الغني لمصلحة الفقراء والمعدمين الذين تحاول إيصال البشارة إليهم.
أضغاث أحلام
يحلم البطريرك ساكو أن يرجع وفي يده قرار ضد أساقفته ويعلن الإنتصار كما أعلن إنتصاره – أسف إنهزامه – في سلسلة من التقارير السطحية التي كتبها بعد عودته إلى بغداد من أربيل متبجحا أن رئيس الوزرء العراقي إعترف به بطريركا على الكلدان ومسؤولا عن أوقاف الكنيسة الكلدانية – أي عرف الماء بالماء.
أين ستأخذنا يا غبطة البطريرك وإلى أين أنت ذاهب؟ الخشية من الله والصدق والأمانة – إن كان هناك خشوع وصدق وأمانة – تتطلب العودة إلى النفس ومغادرة الساحة كما وعدت أمام الملأ ولم تصدق وعدك حتى الآن.
وحتى إن رجعت وغبطتك تحمل ورقة ترفع بها سبابة الإنتصار – فأسمح لي القول إن ذلك لن يكون إلا إنكسارا وهزيمة ….