مقالات مهمة للمرحوم الاب العلامة ألبير ابونا عالجت ازمة كنيسة الكلدانية في ذلك، ولكن تعيش في اسوء زمن لها اليوم!!!
كلدايا مي: نختار مواضيع التي تعالج ظروف اليوم اتعس مما كان يوم امس
كان الرّب في العهد القديم قد عرض القداسة على شعبه مثل هدف أساسي لحياته وعلامة أكيـدة لارتباطه بالإلـه الأوحـد: “كونوا قديسين، لأني انا الرب إلهكم قدوس” (لاويين 19/2). الله وحده قدوس، ويستمد الإنسان قداسته من الله كلما اقترب منه وانضمَّ اليه ودخل في أُلفـة حميمة معه وسار حسب تصميم مشيئته الالهية. والكنيسة التي أسسها المسيح على الأرض تتكوّن من بشر ليسوا حتمًا قديسين. والرسل أنفسهم الذين عليهم أسس المسيح كنيسته لم يكونوا منذ البدء قديسين وكاملين. وما اكثر الأخطاء التي نلاحظها في مواقفهم وتصرفاتهم تجاه الآخرين، وحتى تجاه المسيح نفسه. وكم تألم المسيح من ذهنياتهم واعمالهم! ومع ذلك فقد دعاهم إلى القداسة والكمال: “كونوا انتم كاملين، كما ان اباكم السماوي كامل” (متى 5/48). وانما خلق الله الإنسان على صورته ومثاله ليكون مثله في حياته وتصرفاته، ويعيش معه حياة المحبة والقداسة، ريثما يصل إلى الاشتراك في مجده وسعادته.
وكنيستي مكوّنـة من بشريين قد يكونون خطأة، وقد يشوّهون جمال الكنيسة ويقدّمون صورة ناقصة عنها للعالم، ولكنهم مع ذلك خطأة مفتدَون، وخطأة محبوبون ومدعوون للانفتاح لنعمة الخلاص. فكل إنسان في كنيستي مشروع للقداسة. وما أروعَ الصرخة التي أطلقها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني حينما صاح بأعلى صوته واعلن لجموع الشباب: “لا تخافوا ان تكونوا قديسين “.
ولم يكتفِ المسيح بدعوة كنيسته إلى القداسة والكمال، بل وفَّرَ لها كل الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا المشروع العظيم. ولقد عرفَ جبلتنا وضعفنا وميلنا الدائم إلى الشر. لذا قدَّمَ لنا ما من شأنه ان يجدّد طبيعتنا المسكينة بميلاد جديد ومتجدد دومًا، وذلك عن طريق الأسرار التي هي ينابيع النعمة والخلاص.
إلا ان ما يقلقني هو اني لا الاحظ عمقًا روحيًا حقيقيًا في كنيستي، أي في حياة رؤسائها ومؤمنيها. من البديهي اني لستُ حاكمًا ولا ديانًا للآخرين. فالله وحده يعلم خفايا قلوب البشر. إلا ان الأعمال غالبًا ما تشير إلى مصداقية الإنسان. ألم يقل المسيح نفسه: “ان الشجرة من ثمارها تُعرَف؟” (متى 7/20)
كثيرًا ما نقول ان الكنيسة امتدادٌ للمسيح، وانها تستمدُّ قداستها من قداسة المسيح. ولكن ما يقضُّ مضجعي هو ان قداسة المسيح باتت وكأنها غير فاعلة في كنيستي. هل ترى هجرها المسيح؟ أم ان الوسائل التي أعطاها اياها باتت غير ناجعة؟ ونحن نعلم ونؤمن بأن المسيح هو هو، امس واليوم وإلى الأبد، وان وسائله تبقى فعالة أبـدًا. فعلينا ان نستخدمها كما ينبغي وان نفسح المجال امام نعمة المسيح لكي تستحوذ على حياتنا وتطوّرها وتبلغ بنا إلى مِلء قامة المسيح.
ولكن ما بال كنيستي خالية من قديسين؟ ألم يبقَ فيها من يحيا حياة المسيح بعمق وأصالة؟ وأين ذهبت دماءُ الألوف من شهدائنا الذين قضوا في سبيل إيمانهم بالمسيح، منذ القرون المسيحية الأولى وحتى احداث اليوم المؤسفة، مرورًا بقوافل الشهداء الذين بذلوا دماءَهم في سبيل إيمانهم المسيحي خلال الحرب الكونية الاولى؟.
إن ما يثلج صدري هو اني ارى الاهتمام الكبير الذي تبديه الكنائس الأخرى في سبيل اكرام الاشخاص الذين تميّزوا فيها بصلاحهم وقداستهم. فان لبنان، على سبيل المثال، لم يألُ جهدًا، في هذه السنوات الأخيرة، في العمل على إعلان قداسة بعض من أبنائه: شربيل ورفقة والحرديني. وهناك غيرهم ما يزالون على الطريق، مثل الأب يعقوب الكبوشي الذي تم تطويبة قبل مدة قصيرة، والبطريرك العظيم اسطيفان الدويهي، والاخ اسطفان نعمه، …الخ.
اما كنيستي، فلا تحرّك ساكنًا. ألم يبقَ فيها أشخاص قادرون ان يدرسوا قضايا تطويب وتقديس أبناء كنيستهم، وان يتقصّوا أخبار أبرارهم في مختلف مراحلها، بصبر وجدارة روحية وعلمية؟ أم هل ان موارد كنيستي المادية نضبت، فباتت عاجزة عن القيام بتكاليف هذه الدعاوى الكنسية التي تكلّف – والحق يقال – مبالغ لا يستهان بها؟ أنا أظن ان الأموال متوفرة في كنيستي، وقد تُصرف في امور أقل شأنا وجدارة من هذا الأمر العظيم. اما ما لا يتوفر في كنيستي فهو الاهتمام الجدي والتقييم الصحيح للأمور لدى المسؤولين الكبار، وكأن هذا الأمر غير جدير بالاهتمام.
مهما يكن من أمر، فان كنيستي ما تزال ولن تزال كنيسة القديسين والشهداء، والتاريخ يشهد على ذلك، وما يزال فيها أناس يحملون القيم الانجيلية محمل الجد ويسعون في تجسيدها في حياتهم اليومية وفي علاقاتهم البشرية. وقد ماتوا في هذه الحال الرائعة، على رجاء قيامة مجيدة، فيها يتجلى لهم وجه المسيح البهي. إنهم قديسون لدى الرّب، وإن كانت الكنيسة لم تعلن قداستهم إعلانًا قانونيًا ورسميًا… ولكن ألم يحن الأوان لكي تكرم كنيستي ابناءَها وبناتها الذين عاشوا حياتهم المسيحية بعمق وأصالة، وتركوا لنا أمثلة رائعة في التزامهم الكلي واتّباعم الجذري للمسيح الفادي؟ فما أتمناه من صميم القلب هو ان تؤدي كنيستي لهؤلاء الأبرار ما يحق لهم من الاكرام، سرًا وعلنًا.
علينا نحن المسيحيين ألا ننسى اننا ابناء الشهداء والقديسين الذين عاشوا في بلاد الرافدين وبذلوا فيها حياتهم في سبيل القيم السامية، وهم اليوم ينادوننا للسير على خطاهم في طريق المحبة والقداسة.