يوسف تيلجي
النص :
الأية موضوعة البحث : ” أن الدِّينَ عِندَ اللّـَهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللـَّهِ فَإِنَّ اللـَّهَ سريع الحساب / 19 أل عمران ” .
أن الأية الواردة في أعلاه ، أراها تستحق النقد ، العقلاني والموضوعي ، وذلك لما بها من ألغاء تام ومطلق لباقي الأديان السماوية ، اليهودية والصابئة والمسيحية ، وتدل الأية على إخبار من الـله تعالى بأنه لا دين عنده ويقبله من أحد سوى الإسلام ، أولا ، سأسرد تفسير الأية ، ثم سأبين قراءتي الخاصة فخاتمة ثانيا ، فحسب المصادر والمراجع الأسلامية ، تفسير أبن كثير / نقل بتصرف ، جاء ما يلي (( أن الرسل ختموا بمحمد ، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد ، فمن لقي الـله بعد بعثته محمدا بدين على غير شريعته ، فليس بمتقبل . كما قال تعالى :ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه” وهو في الآخرة من الخاسرين/ آل عمران : 85 “وقال في هذه الآية مخبرا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام : ” إن الدين عند الـله الإسلام ” . وذكر ابن جرير أن ابن عباس قرأ : شهد اللـه أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الـله الإسلام بكسر” إنه “وفتح” إن الدين عند الـله الإسلام “أي : شهد هو وملائكته وأولو العلم من البشر بأن الدين عند الـله الإسلام . والجمهور قرءوها بالكسر على الخبر ، وكلا المعنيين صحيح . ولكن هذا على قول الجمهور أظهر واللـه أعلم )) . ويبين بعض الأسلاميين ، أن كل دين غير الأسلام هو باطل ، ومن موقع صيد الفوائد / محمد بن شاكر الشريف – في مقال له بعنوان / إن الدين عند الـله الإسلام ، يبين ما يلي : ( فإن الإسلام هو الدين الحق الذي يطلبه الـله من عباده ولا يقبل منهم سواه ؛ إذ ما عداه من الدين باطل وضلال كما قال اللـه تعالى : ” إن الدين عند اللـه الإسلام “).
القراءة النقدية :
1. الأية أتت لغويا عن طريق متكلم غائب أو مجهول ، أو لنقل عن طريق ضمير غير معرف ، هذا الضمير يقوم مقام الناصح أو المرشد أو الموجه ، والمتكلم في الأية ليس اللـه ، ويقوم هذا الذات المتكلم ، مهما كانت صفته ، بتبليغ المتلقي وموجها أليه بأن : ( أن الدِّينَ عِندَ اللـَّهِ الْإِسْلَامُ ) ، أذن هنا اللـه ليس هو المبلغ ! ، فالأية كما معلوم من بنائها النصي يقال بشانها : الكلام صفة المتكلم ، والمتكلم لو كان اللـه ، لكانت الأية جاءت بصيغة المتكلم الحاضر المباشر ، الذي هو الـله ، ولكن الأية جاءت بغير ذلك .
2 . أن الـله هو غاية نشأة الأديان ، وذلك لأن الأديان وجدت ليعبد أتباعها الـله ، فلو كان حقا : ( أن الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ) ، لما أوجد اللـه أديان أخرى ، ولم لم يكتفي اللـه بالأسلام فقط كدين أوحد ! .
3 . ويصر المعتقد الأسلامي بأسلمة الأنبياء والرسل ، بدأءا من أبراهيم ، الذي تواجد قبل السيد المسيح بـ 2324-1850 سنة ، وهذه أشكالية كبرى ، علما أن أبراهيم هو شخصية محورية في الديانة اليهودية ، ويعتبر أحد بطاركة اليهود الثلاثة ، وقد جاء حول مكانته في موقع www.wikiwand.com/ar التالي ( لإبراهيم مكانة عالية من الاحترام في ثلاثة أديان عالمية كبرى هي اليهودية والمسيحية والإسلام . وفي اليهودية هو الأب المؤسس ، وهو يمثل العلاقة الخاصة بين الشعب اليهودي والـله – وهو الاعتقاد الذي يستمد منه اليهود موقعاً فريداً باعتبارهم شعب اللـه المختار ، وفي المسيحية يذكر بولس الرسول أن إيمان إبراهيم بالـله جعله النموذج الأول لجميع المؤمنين ، المختونين وغير المختونين ، وفي الإسلام ينظر إلى إبراهيم على أنه كان مسلماً وأنه الرائد الأول للمسلمين وما يعرف ب “ ملة إبراهيم “ .. ) ، وحتى الأية / موضوعة البحث ، تأخذ وضعها وسياقها الزمني ، نرى أن الأية التالية جردت بل ألغت عن النبي أبراهيم أي صفة مرجعية دينية وقرنته بالأسلام ، فقد جاء في موقع / أهل القرأن ، ما يلي : ( ملة الإسلام لم تبتدئ مع نزول الرسالة المحمدية …. ملة الإسلام ابتدأت مع سيدنا إبراهيم … وسبحانه انزل صحفا على سيدنا إبراهيم لا نعلمها “ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .. آل عمران 67 ” ) ، وهذا تكريس لنهج الأية موضوعة البحث .
4 . والأية أيضا ، تدخل في تضادد وتقاطع مع أية أخرى ، وهي ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ / 3 أل عمران ) ، فكيف تقبل الأية موضوعة البحث عقليا ومنطقيا ، أذا كان الرسول نفسه ” مصدقا للتوراة والانجيل ” ! ، فمن جهة يصادق الرسول لكتابين لدينين محددين هما اليهودية والمسيحية ، بوصف كتابيهما ، ومن جهة ثانية ينكرهما !! ويعتبر ( أن الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ) ، أذن أرى أن تغيير أحدى الأيتين لتتوافق مع الاخرى ، أجراء مطقي ، أو ، أن تنسخ أحداهما لتبقى الاخرى حتى يستقيم المعنى ! .
5 . الأية موضوعة البحث ، تقع في أشكالية مع المعتقد المسيحي ، فقد جاء في الأية التالية ( إذ قال الـله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ، ومطهرك من الذين كفروا ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون / سورة أل عمران ) ، فكيف يكون أتباع المسيح بهذه المكانة العليا والمميزة ” وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ” ثم يكون دينهم منكر وباطل ! .
6 . أشكالية أخرى مع المعتقد المسيحي ، كيف يكون السيد المسيح كلمة الـله وروح منه ودين اتباعه على ظلال ، ومنكر عليهم دينه من اللـه نفسه ، والذي قال اللـه في القرأن عن المسيح أيات رفعته الى عليين ، حيث جاء في موقع kalema.net/alahwahedfisalos/1×36.htm (( يشهد القرآن بكل وضوح أن المسيح هو كلمة الله : 1– سورة النساء آية 171 : ” إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللـه وكلمته “. 2 – سورة آل عمران آية 39 : ( إن اللـه يبشرك بيحيى ” أي يوحنا المعمدان “…مصدقاً بكلمة من الـله ) . 3- وقد فسر الإمام أبوالسعود ذلك بقوله ” مصدقاً بكلمة الـله أي بعيسى عليه السلام…” ، إذ قيل إنه أول من آمن به وصدق بأنه كلمة اللـه وروح منه . 4 – وقال السدى : لقيت أم يحيى أم عيسى فقالت يا مريم أشعرت بحبلى ، فقالت مريم وأنا أيضاً حبلى، قالت “ أم يحيى “ إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله تعالى ” مصدقاً بكلمة من الـله” . / تفسير أبى السعود محمد بن محمد العمادي ص 233 )) ، فكيف يكون المسيح الذي له كل هذه الصفات السامية ، ( كلمة اللـه وروحه وتسجد له الانبياء ) ، ومن جهة أخرى ، نرى أن اللـه ينكر دين أتباع المسيح ، ويقول بنصه القرأني : ” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ ۗ”
ختام :
أن الأية موضوعة البحث ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّـَهِ الْإِسْلَامُ ۗ ) ، خلقت الخلاف والاختلاف والتضادد مع المعتقدات الأخرى غير الأسلامية / سماوية كانت أو أرضية ، والذين يشكلون حوالي 6 مليار نسمة ، أضافة الى أنها أوجدت فكرا من الفرقة والرفض لكل ما هو غير أسلامي في الحياة الانسانية جمعاء ، وأوجدت أيضا بالنتيجة خطابا أسلاميا رافضا ولاغيا للأخر ، وهذه مشكلة دائمة في المعتقد الأسلامي ، ما دام العقل الأسلامي غير محرر من الأصل ، خاصة الأصل الديني الجامد ! .. مما سبق ذكره ، أرى أن الأية خلقت لدي تصورا فكريا معينا ، يتمحور ب : هل يوجد أكثر من أله فكري في القرأن : أله منطقي عقلاني ، منفتح متحضر ، متسامح روؤف ، مع باقي المعتقدات ، وأله أخر ، متعصب طائفي ، ماضوي الفكر ، لا يقبل أي مشاركة حياتية مع الأخرين على الأرض ، ألا من شهد ب : ( لا أله ألا الـله محمد رسول اللـه ) ! .