على مد البصر ترى القبور وشواهدها والرموز الشيعية المستمرة في خطوط طويلة، هذه هي مقبرة وادي السلام، أكبر مقبرة في العالم وتقع في محافظة النجف العراقية.
تحدث موقع “ميدل إيست آي” مع حافر القبور في مقبرة وادي السلام التي يتم دفن الشيعة المقتولين في معارك الفلوجة وغيرها من المدن.
ومع ازدياد أعداد المصابين إثر القتال لاستعادة معقل تنظيم داعش في الفلوجة، على بعد 200 كم للجنوب، يقول حافر القبور حامد الواد أنه كان مشغولاً بدفن قتلى ساحات المعركة.
وقال الواد: “في مكتبي الخاص، تلقيت زيادة بمقدار 13-14 جثة باليوم، لكن المقبرة ككل تستقبل أكثر من 100 متوف باليوم”.
ويعد الواد أحد حافري القبور في المقبرة التي تأسست قبل 1400 عام ويقال أنها تتسع لجثث أكثر من 5 مليون شخص مدفونين على امتداد مساحة 6 كيلومترات مربعة من الأرض.
جثامين المقاتلين تصل من الفلوجة و الصقلاوية وجرف الصخر والرمادي
فيما أدى القتال المستمر بين داعش والجيش العراقي وحلفائه إلى ارتفاع عدد القتلى في جميع أنحاء البلاد.
ويقول الواد أن جثث المقاتلين الذين قتلوا مؤخراً لم تأتي فقط من الفلوجة، بل كان يتم استقدامها من “الصقلاوية وجرف الصخر، والرمادي.”
بينما لا تنشر الحكومة العراقية الأعداد الحقيقية لأولئك الذين يقتلون في المواجهات، لكن عضواً من قوات الأمن المتمركزة خارج المقبرة أخبر وكالة فرانس برس أنه تم دفن أكثر من 70 مسلحاً من العملية العسكرية على الفلوجة، منذ الأول من حزيران/ يونيو الجاري.
عدم نشر الارقام الحقيقية للقتلى
إلى ذلك، قال جويل وينغ، رئيس تحرير مدونة “ميوسينغ أون آيراك / تأملات حول العراق”، أن الحكومة تملك سياسة رسمية لعدم نشر الأرقام الحقيقية للقتلى من أجل الحفاظ على “المعنويات عالية”.
واشتد القتال حول الفلوجة منذ أن بدأ الجيش العراقي بالاشتراك مع وحدات الحشد الشعبي والتحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش، بشن هجوم على المدينة قبل أسبوعين، ومنذ ذلك الوقت وأعداد القتلى في تصاعد مستمر.
وهناك، الحقول الواسعة الممتلئة بالعلامات والشواهد والقبور ورموز وادي السلام تشهد على التضحيات التي قدمها شيعة العراق من أجل حماية معتقداتهم الدينية، التي يعتقدون أنها مهددة بالأصولية السنية المتعصبة لداعش.
ونظراً لأن المقبرة تقع بالقرب من ضريح الامام علي بن أبي طالب، وثاني أكثر شخصية مبجلة عند المسلمين الشيعة، يرغب العديدون بأن يدفنوا فيها. ومن ضمن أكثر القبور زيارة هو قبر آية الله العظمى محمد صادق الصدر، الذي قتل في كمين في عهد الرئيس السابق صدام حسين عام 1999.
وبالرغم من المساحة الكبيرة التي تحتلها المقبرة، توجد دلالات تشير إلى أن قطع الأرض، تحديداً في المناطق الثمينة القريبة من ضريح الإمام علي بدأت بالنفاذ.
ارتفاع اسعار اراضي المقبرة
وارتفعت أسعار الأراضي في المقبرة من قرابة 1500 دولار لكل 500 متر مربع في عام 1991 لتصل إلى أكثر من 10آلاف دولار اليوم.
وبالرغم من الجهود الحثيثة للحكومة العراقية لتصوير القتال ضد داعش على أنه صراع ضد التعصب الديني، وتسليطها الضوء على مدى التنوع الديني ضمن الجيش والمسلحين، يعتبر أغلب المقاتلين أنه يغلب على الحرب الطابع التبشيري والطائفي بشكل واضح.
هزيمة داعش وعودة المهدي
على صعيد متصل، أفاد أحمد حسن خالد صالح، طالب علم أحياء سابق ومقاتل الآن مع صفوف كتيبة عباس التابعة لوحدة الحشد الشعبي، لموقع ميدل إيست آي أن هزيمة داعش ستتزامن مع عودة “المهدي” المخلص المنتظر حيث قال: “مضى عام واحد على القتال وقد طفح الكيل، نحن بانتظار شخص واحد، اسمه المهدي. نحن ننتظر ظهوره، وعندما يأتي سنبدأ القتال معه بإذن الله.” ويضيف: ” نحن نقاتل دفاعاً عن معتقداتنا، لكن أولويتنا هي الدفاع عن بلدنا.. والحق دائماً مستهدف، لا أحد يرغب بأن يسود الحق.”
وتشير أسماء الفصائل العديدة بوضوح إلى أن الصراع يغلبه الطابع الإسلامي الشيعي.
حيث أنشئت كتيبة العباس عند ضريح العباس في كربلاء بعد دعوة آية الله العظمى علي السيستاني لجميع الوحدات بحمل السلاح لتتهيأ للقتال ضد داعش. وكذلك الأمر بالنسبة لكتائب حزب الله، ولواء علي أكبر، ولواء أبو الفضل العباس، وجيش المهدي وغيرهم الكثيرين الذين يعكسون ميول أولئك المشاركين في القتال.
حماسة الشيعة
وتشهد ملايين الجثث الموجودة في وادي السلام على حماسة الشيعة العراقيين في تبني عقيدتهم، ورغبتهم في أن يدفنوا قرب أسلافهم الدينيين.
وهذا التوسع المستمر في عدد المدفونين هو نصب تذكاري أيضاً لمئات الآلاف من الأشخاص الذين قتلوا منذ عام 2003 على يد قوات الاحتلال الأمريكي، والبعثيين السابقين، والحرب الطائفية وداعش.
ويرجح ألا تفقد المقبرة من مكانتها كموقع دفن مفضل عند الشيعة، لكن يأمل العديدون أن يؤدي إنهاء الحرب على داعش إلى تقليل تدفق الجثث لها لأول مرة منذ سنوات.