Articles Arabic

قراءة حداثوية للسيرة النبوية لأبن أسحاق

يوسف تيلجي

المقدمة

ليس الغاية من المقال سرد حياة ابن إسحاق (85 هـ/703م المدينة -151 هـ/768م بغداد ) ، وذلك لأن هدف المقال هو ” قراءة خاصة ” لمؤلفه حول سيرة الرسول ، ولكني أرتأيت البدأ بومضات من حياته ، كأستهلال للمقال .. ( أبن إسحاق  مؤرخ من العصرين الأموي والعباسي ، إسمه أبو بكر محمد بن اسحاق بن يسار بن خيار المدني ، ويعتبر أول مؤرخ عربي كتب سيرة رسول الإسلام محمد بن عبد الله ، وهو من أطلق تسمية ” سيرة رسول الله ” على كتابه . وقيل هو : يسار بن كوتان – المطلبي بالولاء ، المديني نسبة إلى مدينة الرسول، وهو من أشهر تلاميذ الزهري على الإطلاق ؛ وهو من أصل فارسي ، كان أبوه شغوفًا بجمع الأحاديث ، وعنه ورث محمد بن إسحاق هذا العلم منذ الصغر ، وقد أقام بالمدينة واتصل بكبار علماء عصره ، مثل : عاصم بن عمر بن قتاده ، والزهري ، وهما من أبرز أساتذته ، ورحل إلى مصر والعراق بغية جمع الأخبار والاستزادة من المعارف ، واتصل بالخليفة المنصور الذي طلب منه تأليف كتاب منذ خلق الله تعالى آدم حتى زمنه ، فألف كتابه في المغازي ، و لم يصل إلينا كاملاً ، وإنما وصل إلينا مختصرًا في سيرة ابن هشام المشهورة ؛ حيث قام ابن هشام ببعض التعديلات فيه والاختصار كما فعل بالمدونات الأخرى . ويعد ابن إسحاق أول مَن عالج حياة الرسول بطريقة يميزها التسلسل الفني المتسلق ، ووسَّع مضمون السيرة فضمَّنها تاريخ الرسالات والأنبياء المتقدمين ، كما عُنِي بكتابة الأخبار العامة موحدة من الروايات المختلفة / نقل بأختصار وتصرف كما وردت من موقعي الألوكة و الويكيبيديا )

القراءة

اولا . لا بد لنا بادئ ذي بدأ أن نضع بعض المؤشرات الخاصة ،  حول بمن المقصود منه بالسيرة – وهو الرسول محمد ، ثم بكاتب السيرة – وهو أبن أسحاق ، فالرسول ولد في مكة عام 53 قبل الهجرة وتوفى 11 هجرية ، وقد ورد في موقع موضوع ، التالي حول عمر الرسول حين وفاته ( ورد في الصحيحين عن عائشة ، أنّ وفاة الرسول كانت وهو ابن 63 عاماً ، وجاء في روايةٍ أخرى أنّ عمره كان 65 عاماً ، وغيرُها أيضاً أورد أنّه توفي وهو ابن 60 عاماً . قد جمع العلماء بين الروايات بأنّ من قال إنه 65 كان قد حسبَ سنتي المولد والوفاة ، والصحيح أنّ عمره 63 ) ، لأجله أرى أنه لا توجد معلومة تامة ! ، وكان تواجد الرسول بين مكة والمدينة وما يجاورهما ، بينما أبن أسحاق ولد في المدينة عام 85 هجرية وتوفى 151 هجرية ، جاء في موقع قصة الأسلام ، حوله التالي ( وطاف ابن إسحق البلاد ، وسمع من جمع كبير في مصر ، والحجاز والعراق والري وما بينها ، وكان قد خرج مع العباس بن محمد إلى الجزيرة ، وأتى الخليفة أبا جعفر المنصور بالحيرة ، فكتب له المغازي .. )

ثانيا. أول ما نلاحظ مما تقدم في أعلاه ، هو التباين والتباعد الزمني والمكاني بين الرسول وكاتب السيرة ، حيث أنه هناك حوالي 140 عاما تفصل بين الرسول وأبن أسحق كفاصل زمني ! ، وذلك أذا أخذنا عامل وفاة الأثنين كمؤشر مشترك بينهما ، مع الأخذ بنظر الأعتبار الأختلاف والبعد الجغرافي بين الأثنين ! .  وهذا الوضع هو أشكالي في كتابة أي سيرة ! ، خاصة لعدم وجود أي تواصل أو أي مراجع مكتوبة عن المراد كتابة سيرته ، ألا السماع والأخبار والنقل ، وحتى تناقل الاخبار غير دقيق ، لأن النقل من فرد الى أخر ، يجعل من الخبر غير مؤكد البتة ، وأحتمال هامش الزيادة والنقصان به كبير . وأن وجود فارق زمني يقترب من قرن ونصف بين الأثنين ، هو وضع يجعل من الدقة والمصداقية ضعيفة جدا في كتابة أي سيرة ، خاصة لأنعدام أي مراجع مكتوبة يعتمد عليها الكاتب في صياغة مؤلفه ! ، والأهم هو عدم معايشة كاتب السيرة للرسول أو لأصحابه

ثالثا . مما سبق رأينا عدم وجود أي مراجع / وثائق ، حجج ، وقائع أو سند ، أعتمد عليها أبن أسحاق في كتابة السيرة ، وذلك لأنه كان أول المهتمين بهذا الأمر ! ، لأجله كتبت بعض المواقع حول منهج أبن أسحق في كتابة السيرة النبوية للرسول ، منها موقع موضوع ، نقل بأختصار وتصرف التالي ( لقد كان منهج أبن اسحاق من أنه كان يعتمد على جمع الرّوايات من غير سند ، فقد كان همّه أن يجمع كلّ ما ورد عن النّبي من مواقف وأحداث وتفاصيل ، ولقد كانت الملاحظات على سيرة ابن اسحق حافزاً للمؤرّخ بن هشام الذي قام بتهذيب السّيرة وحذف الكثير من القصص والأخبار التي لم يرد فيها ذكر النّبي ، كما حذف كثيراً من الأشعار التي لم يسمعها عن أحدٍ من الشّعراء أو المهتمين بالشّعر .. )

رابعا . لقد شكك الكثير من المستشرقين في صحة السيرة النبوية لأبن أسحاق ، وربط هذا الأمر ، من جانب بعامل الفارق الزمني ، وبعدم الحيادية من جانب أخر ، فقد جاء في موقع المعرفة ، بهذا الصدد ، نقل بأختصار وتصرف التالي ( .. يرى بعض المستشرقين إن مدى صحة الحقائق التأريخية في كتابه قد يكون مشكوكا فيها لأنقضاء مايقارب 120 سنة بين وفاة الرسول وبداية جمعه للروايات الشفهية ، وأيضا يشك البعض في حيادية بعض المواضيع التي قد تكون غير منصفة لبني أمية لكون الكتاب كتب في عهد الخلفاء العباسيين والذين كان لهم خلافات مع من سبقهم من الخلفاء الأمويين .. ) ، والمثير للأنتباه أن أبن أسحق نفسه يعترف بضعف المصداقية من صحة الخبر ، فقد ذكر أبن أسحق في مقدمة كتابه التالي : ( ان ” الله وحده عليم أي الروايات صحيحة ” )

* مما سبق يتضح أن أبن أسحاق كان يعبأ المعلومات والاحداث والأخبار في السيرة النبوية للرسول ، دون الأهتمام أو الاكتراث بمدى صحتها أو صدقها ! ، أو حتى مدى حدوثها من عدمه ، وذلك لعم وجود أي سند موثق للمعلومة أو للحدث

خامسا . نتيجة الى طريقة نهج أبن أسحاق في سرد كتابه / السيرة النبوية ، والتي تفتقر الى السند والمصداقية ، لاحظنا أن الكثير من علماء عصره كانوا ضده وخالفوه أيضا ، فقد روى موقع المجتمع ، بهذا الصدد التالي ( وأما مالك فإنه نال منه بانزعاج وذلك لأنه بلغه أنه يقول : اعرضوا عليَّ علم مالك فأنا بيطاره ، فغضب مالك فقال : انظروا  ” إلى دجال من الدجاجلة ” ) ، ومن العلماء الذين جرّحوه أيضا ( قال الإمام أحمد بن حنبل : هو كثير التدليس جداً ، فكان أحسن حديثه عندي ما قال أخبرني وسمعت . وقال أبو حاتم الرازي عنه : ليس عندي في الحديث بالقوي ، ضعيف الحديث ، يكتب حديثه . وقال النسائي عنه : ليس بالقوي . ) ، وبنفس الصدد بين موقع الويكيبيديا ، ما تعرض أبن أسحق من تجريح (  .. أن ما روي عن مالك ، وهشام بن عروة بن الزبير من تجريحهما لأبن أسحاق ، وقد حمل الكثير من العلماء المحققين تجريح هذين العالمين الكبيرين له بعداوات شخصية كانت قائمة بينهما وبين ابن إسحاق .. ) ، ولا أرى أن العداوات الشخصية تبين هكذا أراء ألا أذا كانت مبنية على حقائق محددة

سادسا . وتكلمت بعض المواقع عن طريقة وأسلوب أبن أسحاق بالكتابة ، وما بها من عدم ألتزام بالقواعد المرعية ، حيث بين موقع ملتقى أهل الحديث ، التالي ( ويمكن اجمال عثرات إبن إسحاق في السيرة في النقاط الآتية : ” الاسهاب في الرواية ، قلة الضبط ورواية الغرائب ” ) ، كما بينت أيضا مواقع أخرى ، بأن بعض رواياته كانت أما خاطئة أو كانت وهم ، وهذا ما بينه موقع قصة الأسلام ، ” .. وقد فتشت أحاديثه الكثيرة ، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره ، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة ، وهو لا بأس به ” ( ابن عدي : الكامل في ضعفاء الرجال ، ترجمة رقم 1623 )

سابعا . ومن الأمور التي سجلت قدحا بابن أسحق ، ممكن أن تلخص بما يلي ، واوردها حسب موقع الأسلام سؤال وجواب ، نقل بتصرف وأختصار : ( 1 . اتهامه بالقدرية حتى ذُكر أنه جلد بسببه.2 . اتهامه بالتشيع / وهي ليس قدحا . وهذان الأمران – إن ثبتا عنه – فلا يؤثران في حديثه ، إذ ما زال العلماء يأخذون عن القدرية والشيعة إذا ثبت صدقهم وحفظهم ، 3 . اتهامه بالتدليس . 4 . أتهامه الكذب . 5 . اتهامه بمخالفة الثقات . 6 . اتهامه بالانفراد ببعض المناكير . 7 . روايته الإسرائيليات . 8 . جمعه بين ألفاظ الشيوخ ) . وللأمانةالعلمية ، وكعادة شيوخ الأسلام فقد عللوا كل ما ذكر من قدح ، وبينوا من أن كل ما ذكر لا يضعف أو يقلل من مؤلفه / السيرة النبوية

الخاتمة

أولا : أنها ليست بسيرة نبوية لمحمد بن عبدالله ، ولكن من الممكن أن ندعوها ” رواية محمد بن عبدالله ” ، وذلك لأنها بمجملها سرد مرسل ، غير موثق ، يفتقر معظمه للأسناد ، كاتبها متهم بالكذب والتدليس ، لأجله قام أبن هشام ، بتهذيب وتشذيب السّيرة وحذف الكثير من القصص والأخبار ، لعدم المصداقية وضعف الخبر ، وقد جاء في موقع قصة الأسلام ، التالي ( أن أبن هشام أراد أن يُقوم ما يراه في السيرة النبوية لأبن أسحاق من عوج .. وحذف أشياءا بعضها يشنع الحديث به ، وبعض يسوء بعض الناس ذكره ) ، وهذا الأمر يقودنا الى أن سيرة أبن أسحق أنصهرت في سيرة أبن هشام ، وتشكلت لنا سيرة ببنية نصية جديدة ، وأعتقد أن ما كتبه أبن أسحاق في مقدمة كتابه  يجعلنا أن نشكك في مدى صحة ودقة مجمل الأخبار والوقائع التي وردت في السيرة النبوية ذاتها ، حيث قال أبن أسحاق التالي : ( ان الله وحده عليم أي الروايات صحيحة ) ، لأجله فانه حتى سيرة أبن هشام ينطبق هذا عليها لأنها قامت على أساس سيرة بن أسحاق
ثانيا : أن الأسلوب المتبع في كتابة السيرة النبوية ، حتى في نسخة أبن هشام المتوفي في 218 هجرية ، أراه تراجيديا ، حيث سرد الأخير تفاصيلا دقيقة ، لا يمكن أن تكتب عن فرد يفصله عن الرسول أكثر من قرنين من الزمن ، فقد نقل عن  برنامج – تعلم أن تفكر مع العلماء / الحلقة 9 ، التالي : ( نقل عن أبن هشام / أنه عندما تزوج الرسول سلمى بنت أبي أمية .. أصدقها الرسول فراشا حشوه ليف .. قدحا .. صحفة ومجشة .. )

* فلا أعتقد هكذا وقائع بهكذا تفاصيل  يمكن أن تكون حقيقية ألا أذا كان من نقل الخبر معايشا للرسول نفسه ! ، وقد دخل بيت زوجة الرسول / سلمى ، شخصيا حتى يقوم بنقل الحدث ! ، من جانب أخر ، أن ما أصدقه الرسول لسلمى هو ” كارثة ” ، خاصة أذا علمنا أن الرسول له الخمس من كل الغنائم ، أي أن الرسول كان غنيا ، وما ذكر من صداق ، ممكن أن يقدم من قبل فرد فقير لا يلقى لقمة عيشه ، وليس من قبل الرسول
ثالثا : أن أصول أبن أسحاق ، أعتقد أنها مسيحية ، فقد جاء في موقع المعرفة ، التالي ( وكان جده يسار من سبي قرية عين التمر حين أفتتحها المسلمون في خلافة أبو بكر الصديق ، سنة 12 هـ ، وقد وجده خالد بن الوليد في كنيسة عين التمر من بين الغلمان الذين كانوا رهنا في يد كسرى فأخذه خالد إلى المدينة ) ، فلماذا وجد جده ” يسار ” تحديدا بالدير ! حتى وأن كان أسيرا فلم وضع بالدير أن لم يكن مسيحيا ! ، من جانب أخر ، هذا الأمر يقودنا  أن تربية أبن أسحاق هي مسيحية ، لتأثير ثقافة الجد ” يسار ” عليه ، وهذا الامر ينعكس أيضا على ثقافة أبن أسحاق العامة ، وبنفس الوقت ينعكس على كتابته للسيرة النبوية رابعا : أعتقد أن محمد أبن أسحاق كتب سيرة ليس بها لا مراجع ولا وثائق ولا سند ، أي ليس بها قاعدة معلومات ، لأجله أرى أن السيرة بعضها مبتدعة الوقائع وأحداثها مخترعة

Follow Us