Articles Arabic

مريم المصرية

إنجيل القدّيس مرقس 10: 32- 45
 جمع واعداد  يوسف جريس شحادة

من كتابنا الجديد: عجائب ايقونات والدة الاله

www.almohales.org

نقل سيرة القدّيسة البارة ” مريم المصرية ” كما ورد في التراث { تمّة دارسون يجعلون رقاد القديسة في حدود العام 430 م ويميلون الى القول بان سيرتها دُوّنت قبل نهاية القرن الخامس الميلادي، فيما يجعل الاقباط نياحتها، في سنكسارهم، في العام 421 م }، القديس صفرونيوس بطريرك اورشليم { 638 } ، وقد وجدت في القانون الكبير للقديس اندراوس الكريتي

يُستفاد منها ان القديسة مجَّدت اللـه في زمن قريب من زمن القدّيس صفرونيوس باعتبار ان خبرها ينتمي الى ” جيلنا “، على حدّ تعبيره. دافعه الى نقل روايتها ايمانه ان السكوت عن اعمال اللـه خسارة جسيمة للنفس، اذا ما لزم الصمت، ان يُتَّهم بإخفاء وزنة سيّده في الارض فيُدان اما المصدر الذي استقى منه فرهبان دير القديس يوحنا المعمدان، على ضفّة نهر الاردن. الى هؤلاء انتمى الاب زوسيما الشيخ الذي شاءه الرب الاله ان يلتقيها وينقل خبرها

يُستفاد من الكتابة التي خُطّت بقرب راس القديس لمّا وجدها زوسيما راقدة انها فارقت الى ربها ” في شهر فرموتين المصري، الموافق شهر نيسان، عند الرومان، في اليوم الاول، في ليلة آلام ربّنا بالذّات

هذا، لدى المدقّقين وافق السنة الثانية والعشرين بعد الخمسمائة للميلاد

زوسيما الشيخ

اما بعد فقد كان هناك شيخ في احد ديورة { اديرة } فلسطين، كاهنا تقي السيرة مملّح النطق، نشأ، منذ الطفولية على طريق الرهبانية وعاداتها. اسمه زوسيما. هذا سلك بغيرة وامانة فذاع صيته واخذ الناس يردون اليه من الاديرة المجاورة ومن البعيد. لم يتوقّف البتّة عن دراسة الكتاب المقدّس وكان دائم التسبيح منكبًّا على ممارسة الاقوال الالهيّة يُنقل عنه انه دُفع الى الدير رضيعًا فتمرّس في النسك الى ان بلغ الثالثة والخمسين من العمر. إثر ذلك سيطرت على افكاره افكارا بانه لم يعد بحاجة الى المزيد من الارشاد. كان يتساءل ” أترى ثمّة في الارض من ينفعني ويكشف لي نسكا لم آته؟ اهناك في البرية من يفوقني”؟

فجاة حضره ملاك الرب وقال له: “يا زوسيما، ببسالة جاهدت، في حدود طاقة الناس، وببسالة نسكت. ولكن، ليس إنسان بلغ الكمال. بإزائك تنبسط جهادات مخفية أعظم من التي خضتَ فيها. فلكي تعلم ان ثمة طرقًا شتّى تنفُذ الى الخلاص اقول لك اترك ارضك كما ترك ابراهيم، أب الاباء، ارضه وهيّا الى الدير الواقع بمحاذاة نهر الاردن

في دير الاردن

وفعل زوسيما كما امره ملاك الربّ فغادر الى تلك الناحية واستقرّ في ذلك الدّير

ومرّت الايام وآن اوان الصيام الكبير. القانون، هناك لتلك الفترة من السنة وهذا كان قصد اللـه من دفع الشيخ الى ذلك المكان_ان الكاهن يقيم سرّ الشكر في بداية الصوم ويساهم الجميعُ القدسات، ثم بعد تناول قليل من الطعام يلتئم الرهبان في الكنيسة للصلاة والسجود فيقبِّل احدهم الاخر ويستغفره ذنبه ويضرب كلّ واحد للرئيس مطانية { سجود } سائلا بركته والصلاة عليه لمِا هو عازم على الخوض فيه. على الاثر تُشرَّع الابواب وتصدح الترانيم : ” الربّ نوري ومخلّصي، ممَّن أخاف ؟ الربّ حافظ حياتي ممن اجزع. اذا تقدم علي الاشرار لياكلوا لحمي مضايقيّ واعدائي فانهم يعثرون ويسقطون. اذا اصطف عليّ عسكر فلا يخاف قلبي وان قام عليّ قتال ففي ذلك ثقتي. واحدة سالت الربَّ واياها التمس ان اقيم بيت الربّ جميع ايام حياتي لكي اعاين نعيم الرب واتامل في هيكله. لأنّه يخْبَأُني في مظلته يوم الشرّ ويستُرني بستر خبائه وعلى صخرة يرفعني “؟ { مز 5 _1 :26 } ويخرج الجميع الى البرية ويعبرون النهر

فقط واحد او اثنان من الاخوة يلازمان الدير، لا لحراسة المكان لانه لم يكن ثمّة فيه ما يُنتهب بل لئلاتخلو الكنيسة من الخدمة الالهية. كلّ كان ياخذ قليل من الزاد لحاجة الجسد هذا بعض من الخبز وذاك بعض التين وذاك التمور او القمح المسلوق { بْلِيلة}. ومنهم من كان يخرج صفر اليدين خاليا الا من جسده المستور بالاقمشة البالية معتمدا على ربه والنباتات البريّة

كلّ كان يذهب في اتجاه ويجتنب الاخر. وحده ضميرهم شهد عليهم، ولما يكن احد يُطلع احدا او يَطّلع منه على ما دار هناك في كنف البريّة. كما اعتادوا ان يلتقوا في الدّير من جديد، يوم احد الشعانين

اللقاء

خرج زوسيما كسواه ودخل عمق البريّة. كان في صدره رجاء ان يلتقي من هو كفيل، من النساك المجاهدين، بإشباع رغبته وإرواء توقه. هام على وجهه لا يتذكر ويفطن لتعب من احترار الشوق فيه، مسرعَ الخطوة كمن يقصد مكانا مالوفا. هذه كانت حركة الروح فيه. فلمّا مضى عليه قرابة العشرين يومًا، جادًّا في سبر الاعماق، حدث عند الساعة الثانية عشرة ظهرا { الساعة السادسة } انه توقف واتجه قبْلة الشرق واخذ ينشد خدمة الساعة السادسة { الثانية عشرة ظهرا عندنا } ويتلو الصلوات المعتادة. فجاة لمح بطرف عينه، على رابية، شبه انسان. فخاف لعل ما رآه يكون من الشيطان. لكنه تحصّن واحتمى باشارة رسم الصليب وبدّد عن نفسه كل خوف. واذ تطلّع في ذاك الاتجاه تيقّن من ان هيئة بشرية ما تتّجه جنوبا. كانت على عري،{ دون لباس } داكنة الجلد، كان لهب الشمس احرقها. شعْر رأسها أبيض كالصوف، غير طويل، دون الرقبة قليلا. شعر زوسيما لمرآها ببهجة غامرة فجدّ واستهمّ في اثرها، فلاذت بالفرار فلحق بها. فلما بات على مسافة الصوت منها نادى: ” لمَ تفرّين من عجوز خاطىء؟ يا امة الاله الحقّ، اصطبري عليَّ، كائنةً من كنت، باسم اللـه ادعوك، بمحبة الـله الذي من اجله تقيمين في البرّيّة

وجاءه الجواب: ” أستميحك من اجل الـله لاني لا استطيع ان استدير اليك واكشف لك وجهي، ايها الاب زوسيما. فأنا امراة وعريانة كما ترى بعيب جسدي المكشوف. فإذا شئت ان تحقق امنية امراة خاطئة فإليّ بردائك لأستتر واتمكنّ من التطلع اليك والتماس بركتك

ارتعد الشيخ زوسيما، لا سيما لسماعه اياها تناديه باسمه. لكنه ادرك انه ما كان بامكانها ان تفعل ذلك لو لم تكن لها بصيرة روحية حسنة. للحال لبّى ما طلبته منه. نزع رداءه العتيق البالي وألقاه إليها. واذا ادار وجهه غير ناحية التقطته واستترت. ثم تحولت اليه وقالت له: ” لماذا رغبت ايها الاب زوسيما، في معاينة امراة خاطئة؟ أي شيء تودّ سماعه او تعلمه مني بعدما خُضتَ جهادات باهرة”؟

فألقى زوسيما بنفسه على الارض وسالها البركة، وانحنت هي له، بدورها. على هذا النحو وُجد كلاهما ساجدا على وجهه يلتمس بركة الاخر. كلمة واحدة كانت تتردد فيما بينهما : ” باركني. باركيني

الحوار

وبعدما مضى عليهما وقت طويل على هذا الحال قالت المرأة لزوسيما : ” عليك أنت، يا أبانا، ان تُعطيني البركة وتصلّي عليّ لان لك كرامة الكهنوت، وما فتئت، سنين، تقف أمام المائدة المقدّسة لترفع القرابين للاسرار الالهيّة

وارتعد الشيخ بالاكثر لمعرفتها له وأصرّ على اخذ البركة منها فاذعنت. ” تبارك الـله الذي يحرص على خلاص الناس ونفوسهم”. فأمّن الشيخ على دعائها. وبعد ان نهضا عن الارض سالت: ” ما الذي اتى بك ، يا رجل الـله، الى امراة مغرقة في الخطيئة؟ لِمَ ترغب في رؤية امراة عارية خالية من كل فضيلة؟ انا اعرف شيئًا واحدا ان نعمة الروح القدس اتت كب إليّ لتسدي أليّ خدمة في اوانها. قل لي، كيف حال المسيحيين؟ والملوك؟ كيف نسير الامور في الكنيسة”؟

فأجابها: ” بصلواتك، ايتها الام، وهب المسيح سلامًا للجميع. ولكن، أسألك ان تلبّي طلبة عجوز وضيع وتصلّي لأجل العالم بأسره ولأجلي، أنا الخاطىء، لئلا يكون تجوالي في البرية عقيمًا

فأجابت : ” عليك انت ايها الكاهن، يا ابانا زوسيما، ان تصلّي لأجلي ولأجل الجميع، طالما هذا عملك. ولكن بما ان علينا بالطاعة فاني أُلبّي سؤْلك بسرور

ولمّا قالت هذا تحوّلت الى الشرق. واذ رفعت عينيها الى السماء وبسطت يديها شرعت في الصلاة همسًا. لم يكن بامكان احد ان يسمع كلامها فلم يفقه زوسيما منها شيئًا. وقف مطرقا بنظره { ناظرا } الى الارض . ولما طالت الصلاة ورفع عينيه اليها رآها مرتفعة عن الارض مقدار ذراع تصلي في الهواء فلما فطن الى ما عاين استبدّ به الجزع فسقط ارضا واخذ يبكي ويردّد ” يا ربّ ارحم

واذ بقي على الارض ساجدا اقلقه فكر قال له لعلّها روح، لعلّ صلاتها أُفكٌ. في تلك اللحظة تحوّلت المرأة اليه فاقامته وقالت له: ” لِمَ يُبَلْبِلُك الفكر، أيّها الاب، ويجرّبك اني روح وصلاتي شبه صلاة؟ ألا اعلم ايها الاب القديس اني مجرّد امراة خاطئة، مع اني محفوظة بالمعمودية المقدسة، ولست روحًا بل تراب ورماد ولحم وحسب

واذ تفوّهت بهذه الكلمات حرصت على رسم اشارة الصليب على جبهتها وعينيها وفمها وصدرها قائلة

” ليحفظنا اللـه من الشرّير ومخطّطاته لأنّه شرس في صراعه ضدّنا

أليس هذا عمل الخوري أو المطران

أكثروا من عمل الرب كل حين

القافلة تسير والكلاب تنبح

ملعون ابن ملعون كل من ضل عن وصاياك يا رب من الاكليروس

Follow Us