Articles Arabic

قراءة .. في قضية “الخمس” بين الشيعة والسنة

يوسف تيلجي
تنويه:
سأوجه بعض الرسائل ذو الطابع الأسلامي أو السياسي أو الفكري ..، وهي رسائل  محددة موجهة مختصرة، سأنشرها بين فينة وأخرى كسلسلة، وكل رسالة ستنهج موضوعا ليس له علاقة بالأخر، أملا منها تفريغ مادة أو فكرة للقارئ، وستكون الرسائل غير مترابطة بالمضمون، ولكن تجمعها مظلة واحدة وهي حرية الفكر والرأي .. لأجله أقتضى التنويه.
 المقدمة:
الشيعة والسنة، ومن مبدأ الشفافية، مختلفين ومخالفين بعضهم البعض في كثير من المعتقدات، المبادئ، القضايا، تفسير الأحاديث والنصوص والتقاليد .. وقضية الخمس، أحد هذ القضايا المثيرة للجدل بين الفئتين/ الطائفتين، وهم أصلا مختلفين بتفسير الأمر منذ القدم، فأرتايت أن أدلو بدلوي المتواضع في هذا المقام، وأن أسرد قرأتي الخاصة لهذه القضية الخلافية ..
الموضوع:
أولا لنتعرف على “الخمس في اللغة:
فالخمس في اللغة، أخذ واحد من خمسة، وخمست القوم: أخذت خمس أموالهم.
أما معناه الشرعي، فينبغي لدركه أن نرجع أولا إلى عرف العرب في العصر الجاهلي لمعرفة نظامهم الأجتماعي يومذاك في هذا الخصوص، ثم نعود إلى التشريع الأسلامي حول الخمس.
أولا: في العصر الجاهلي
كان الرئيس عند العرب يأخذ في الجاهلية ربع الغنيمة ويقال: ربع القوم يربعهم ربعا أي أخذ ربع أموالهم، وربع الجيش أي أخذ منهم ربع الغنيمة، ويقال للربع الذي يأخذه الرئيس: المرباع.
وفي الحديث، قال الرسول لعدي بن حاتم قبل أن يسلم: “انك لتأكل المرباع وهو لا يحل في دينك”.
وفي مادة (خمس) من النهاية: ومنه حديث عدي بن حاتم “ربعت في الجاهلية وخمست في الاسلام” أي قدت الجيش في الحالين، لان الأمير في الجاهلية كان يأخذ ربع الغنيمة وجاء الاسلام فجعله الخمس وجعل له مصاريف
ثانيا: في العصر الإسلامي
هذا ما كان في الجاهلية، أما في الأسلام فقد فرض الخمس في التشريع الاسلامي، وذكر في الكتاب والسنة كما يلي:
أ – الخمس في كتاب اللـه:
قال اللـه سبحانه: “واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن للـه خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم آمنتم باللـه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، واللـه على كل شئ قدير” سورة الأنفال / 41 . هذه الآية وإن كانت قد نزلت في مورد خاص، ولكنها أعلنت حكما عاما وهو وجوب أداء الخمس من أي شيء غنموا – أي فازوا به – لأهل الخمس. ولو كانت الآية تقصد وجوب أداء الخمس مما غنموا في الحرب خاصة، لكان ينبغي أن يقول عز اسمه: واعلموا ان ما غنمتم في الحرب، أو ان ما غنمتم من العدى وليس يقول إن ما غنمتم من شيء.
ب – الخمس في السنة:
أمر الرسول باخراج الخمس من غنائم الحرب ومن غير غنائم الحرب مثل الركاز كما روى ذلك كل من ابن عباس، وأبي هريرة، وجابر وعبادة بن الصامت، وأنس ابن مالك كما يلي: في مسند أحمد وسنن ابن ماجة و اللفظ
للأول عن ابن عباس قال: “قضى الرسول في الركاز الخمس. ” وفي صحيحي مسلم والبخاري، وسنن أبي داود، والترمذي، وابن ماجة، وموطأ مالك،  ومسند أحمد واللفظ للأول: عن أبي هريرة قال: قال الرسول: “العجماء جرحها جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس” وفي بعض الروايات عند أحمد: البهيمة عقلها جبار.
شرح هذا الحديث: أبو يوسف في كتاب الخراج وقال: كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في قليب جعلوا القليب عقله، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله، وإذا قتلته معدن جعلوه عقله، فسأل سائل الرسول عن ذلك فقال: “العجماء جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس” فقيل له: ما الركاز يا رسول اللـه؟ فقال: “الذهب والفضة الذي خلقه اللـه في الأرض يوم خلقت” انتهى.
وفي مسند أحمد عن الشعبي عن جابر بن عبد الـله قال: قال الرسول: “ السائمة جبار، والجب جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس،” قال الشعبي: الركاز الكنز العادي.
وفي مسند أحمد عن عبادة بن الصامت قال: من قضاء الرسول ان المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار، والعجماء البهيمة من الانعام وغيرها، والجبار هو الهدر الذي لا يغرم وقضى في الركاز الخمس. (نقل بتصرف من:
موقع / عقائد الشيعة الامامية / www.aqaedalshia.com/aqaed/khoms/index.htm    ) .     
الخلاف:
يبدأ الخلاف الشيعي السني من تفسير الأية التالية، وينصب على مفردة “ما غنمتم ..” كل حسب  مذهبه و فقهه، قال الـله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهـِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّـَهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ۗ وَاللّـَهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 41 –سورةالانفال ) .
 -ان الشيعة، اعتمدت في وجوب الخمس على الآيات، أضافة الى الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب اللـه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأعصمهم الباري/حسب قول الشيعة لأنهم آل البيت، والذين هم عدل الكتاب لا يضل من تمسّك بهم .. لذا الشيعة، إمتثالاً لأمرا صريحا لقول رسول اللـه (أمركم بأربع: الإيمان باللـه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدّوا للـه خمس ما غنمتم) (صحيح البخاري: 4/44 )، يخرجون خمس أرباح مكاسبهم وما حصلوا عليه من أموال طيلة سنتهم، ويفسّرون معنى الغنيمة” بكل ما يكسبه الإنسان من أرباح بصفة عامّة.
– أمّا أهل السنة، فقد أجمعوا على تخصيص الخمس بغنائم الحرب فقط، وفسّروا قوله تعالى:
))وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّـَهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ .. ))، ” يعني ما حصّلتم عليه في الحرب والحرب فقط” (نقل بتصرف مع أضافات الكاتب من موقع / مركز الأبحاث العقائدية) .
وفي موقع / شبكة الدفاع عن أهل السنة، يؤكدون على التالي أيضا .. “  أما نحن أهل السنة فنقول ان الخمس يجب في الغنيمة الحربية فقط” .
الرسالة:
1. أستنادا لسورة الأنفال / أية 41، أرى أن مفردة “الغنيمة” جاءت شاملة عامة، لا تحديد بها، ولا تخصيص في أتجاهها، كما أرى أنه لو كانت المفردة متجهة على أنها أتت منصبة على فعل معين ك” الغزو”، لذكرت في نص الأية، لذا فهي مطلقة، وأرى هذا الوضع ينطبق بعينه على حديث الرسول (أمركم بأربع: الإيمان بالـله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدّوا للـه خمس ما غنمتم) (صحيح البخاري : 4/44 )،  لذا شخصيا أنا أميل مع الأتجاه الشيعي في التفسير، لذا فالخمس يضم:
(غنائم الحرب بأتفاق الجميع حيث ياخذ منها الخمس (20%)، الأموال التي تزود عن مؤنة الشخص، المعدن وهو كل مايخرج من الارض مثل الذهب والفضة والنفط والحديد والى ذلك، الركاز وهو المال المدفون تحت الأرض وقد باد اهله ولا يعرف لهم اثر، ما يخرج من البحر بالغوص مثل اللؤلؤ والمرجان، المال الحرام المختلط بالذمة، شراء الذمي للارض / نقل بتصرف من الويكيبيديا ) .
2. أولا وددت أن أبين عن مدى ونطاق الخلاف الشيعي السني، حيث أن تفسير كلمة في أية الأنفال سورة 41 وهي “الغنيمة” ونفس الكلمة في حديث الرسول / المشار أليه في أعلاه، لم يتفق عليه بين الشيعة والسنة فكيف يتفقون على باقي الأمور الخلافية!
3. الأية 41 من سورة الأنفال أيضا، أرى انها تفتقد الى محور مهم، حيث أنها تشير بدفع الخمس للـه وللرسول، وأرى هنا أن ذكر اللـه جاء كرمز معنوي / من أجل حث المسلمين على دفع الخمس، فكيف الدفع له! و أما الرسول، فالرسول مات، أذن لمن يجب الدفع بعد ممات الرسول / وهو ما لم توضحه أو تشير أليه الأية، لأجل توزيعه على: (…الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ .. )، حيث لم تذكر / تحدد، الأية من، مخول، مسؤول، رئيس، شيخ عشيرة، أو عالم دين .. / سمه ما شئت، من أجل ان يقوم بتوزيع الخمس على (القربى ..)، وسائل يسال هل يستحق الخمس بعد وفاة الرسول محمد، وهل التفسيرات التي أتت لاحقا بوجوبه لغايات مقصودة، أو أنها كانت بدوافع لمرحلة ما بعد الرسول، ووفق سياسة سلطوية و دينية معا!
4. أن مبدأ الخمس / الأسلامي، كان جاهليا، ولكن المبلغ المستقطع كان مختلفا، حيث كان الرئيس عند العرب في الجاهلية يأخذ ربع الغنيمة، أما الأسلام فرفعه من الربع الى الخمس، أكيد أن الغرض منه كان من باب دفع وتشجيع المسلمين على الغزو و القتال ..
5. هل من أمكانية تطبيق الخمس، بالوقت الحاضر، خاصة في الحروب التي تخوضها الدول الأسلامية! وحتى لو كانت حروب محددة / داخلية كانت أو خارجية، وهل هذا الأمر ممكن التطبيق عمليا وفق مفهوم الدولة العصرية الحديثة ! هذا تساؤل!
6. أخيرا، ومن جانب أخر، هل من شفافية في أنفاق هذه الأموال المتحصلة بالخمس، وهل تصرف في مجالات أنسانية، تستفاد منها الأمة، أم يذهب معظمها الى جيوب جامعيها، وتحت ستار الشريع! وأرى أيضا، ومن جانب اخر، أنه على الطوائف الدينية المختلفة فيما بينها، أن تكف عن صولات تفاسير الأيات والأحاديث المتعلقة بموضوع الخمس ..، وان تمركز جهودها حول محاور أنفاق هذه الأموال بما تقتضيه مصلحة الأمة، وهو الأهم … هذا في حال أستحق الخمس كفرض  شرعي على المسلمين  بعد وفاة الرسول محمد!!

Follow Us