Articles Arabic

النص القرأني والأحاديث بين الظرف التأريخي والواقع الحداثوي

يوسف تيلجي

المقدمة:

العقل، وبعيدا عن العاطفة، هو الحكم في كل تحليل أو تعليل أو تفسير، وخلاف ذلك نكون في غياهب الخرافات وأسرى للأساطير ومشدوهين للغيبيات، فالنص القرأني مثلا أرى أن نفهمه عقليا، وحتى نكون كذلك من المنطق أن تكون هناك علاقة جدلية بينه/ النص، وبين الزمان والمكان، ودون ذلك نكون قد أخطأنا في تفسير النص وأبتعدنا عن السببية في تنزيله! هذا ما اريد بحثه، في هذا البحث.

 الموضوع:

عامة .. الدين الأسلامي كمادة، هو القرأن/ نصوص وأيات وسور، والمأثور الديني، والذي يضم السنة والحديث والتأريخ الأسلامي/المحدد في حقبة ظهور الأسلام وصدر الرسالة المحمدية، والمنطق يفيد كل ما كتب لغاية وفاة الرسول ..، فكل هذا “الكم من الأرث أرتبط بالظروف الزمكانية”، وخلاف هذا المبدأ او دونه نكون قد أنفصلنا عن الزمن والواقع الحياتي والمجتمع، وأن المقولات التي يطلقها شيوخ الأسلام أو جماعة الأخوان المسلمين أو غيرهم من السلفيين، أن “الأسلام صالح لكل زمان ومكان” أو “الأسلام هو الحل”، أرى أن تطوى جانبا لأنها لا تخدم الدين والمعتقد في ربطهما بالزمن والواقع!!

 النص:

بناءا على ما سبق أرى أن الكثير من النصوص، أنزلت أو قيل بها أو تحدث عنها أو سننها الرسول .. في زمن معين ومكان وظرف خاص محدد، أنتفت الحاجة أليه بعد 14 قرنا منها الأتي/ وهذا نموذج مختصر جدا، يضم أيتين وحديثين، مع تفسير أولي:

1- المؤلفة قلوبهم – ..”إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم”..(التوبة : 60 ) ، وتفسير هذا هو: ((فقيل: هم قوم كانوا في صدر الإسلام ممن يظهر الإسلام، ويتألف بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف إيمانهم. وقيل: هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على الإسلام. وقيل: هم قوم من عظماء المشركين لهم أتباع، يعطون ليتألفوا أتباعهم على الإسلام يقول القرطبي رحمه الله (والمشركون ثلاثة أصناف: صنف يرجع بإقامة البرهان، وصنف بالقهر، وصنف بالإحسان، والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كل صنف ما يراه سبباً لنجاته وتخليصه من الكفر ..)) / نقل بتصرف من موقع أسلام ويب.. فهل يوجد الأن نماذج قوم كالمؤلفة قلوبهم!

 2- (قاتلوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ باللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التوبة:29 .. وتفسير هذا ((.. قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله الله: قاتلوا ) أيها المؤمنون، القومَ =(الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر )يقول: ولا يصدّقون بجنة ولا نار=( ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق) يقول: ولا يطيعون الله طاعة الحقِّ، يعني: أنهم لا يطيعون طاعةَ أهل الإسلام=( من الذين أوتوا الكتاب) وهم اليهود والنصارَى). / نقل بتصرف من ksu.edu.sa/…/sura9-aya، أما قوله (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) فتفسيرها، ((وقوله حتَّى يُعْطُوا الجِزْيةَ أي إن لم يسلموا ﴿عَنْ يَدٍأي عن قهر لهم وغلبة، ﴿وهم صَاغِرُون﴾ أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء“. وقال الطبري: “ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراج عن رقابهم الذي يبذلونه للمسلمين دفعًا عنها“. فالآية تدلّ على مشروعيّة أخذ الجزية من أهل الكتاب، وأنهم ينبغي أن يعطوا هذه الجزية عن قهر لهم وذلة وغلبة وهم صاغرون. )) / نقل بتصرف عن موقع الألوكة .. ما هذا الأذلال و التحقير للبشر.

أ- حديث الرسول (لقد جئتكم بالذبح)، وتفسيره ((‏قال ‏يعقوب، ‏حدثنا ‏أبي، ‏عن ‏ابن إسحاق، ‏قال: وحدثني ‏‏يحيى بن عروة بن الزبير،‏ عن أبيه عروة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله،‏ فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّه‏ أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا. ‏قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله ‏فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً ‏بالبيت، ‏فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: تسمعون يا معشر‏ ‏قريش، ‏أما والذي نفس‏ ‏محمد‏ ‏بيده‏ ‏لقد جئتكم بالذبح.)) / نقل بتصرف من موقع الأسلام سؤال وجواب .. ما جدوى سرد هكذا أحاديث عنفوية !

ب- ” أحاديث حول وطأ الحائض “، وهي عديدة منها لأبن كثير كقوله (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)، وأحاديث متعددة مروية في صحيح مسلم عن الرسول .. أرى أن سرد هكذا أحاديث بهذا الصدد، هي أمور شخصية تحتوي على أمور تتعلق بالحرية الذاتية للفرد، والحديث كان مقبولا وذات مغزى في زمن ومكان وظرف سرد الحديث، وذلك للجهل المعرفي للكثير من المجتمع القبلي بهذه الامور، أما الأن فالثقافة الجنسية موجودة حتى عند الحدث وليس البالغ فقط ! .

 القراءة :

الدين الأسلامي في أزمة، مع نصوص قد أنزلت في زمن قد قضى، على أثر ظروف ومناسبات ووقائع محددة وموصوفة بحد ذاتها حدثت قبل 14 قرنا، ضمن مجتمع قبلي جاهلي، له تقاليده وأعرافه، الكثير من هذه النصوص لا تمت لحاجات وظروف الحاضر بشئ عدا أيات الصلاة والزكاة ..، أنها نصوص غريبة على مجتمع اليوم، فهل للسبايا مثلا من وجود، عدا وجودها في العقلية المشوهة لبعض رجال الدين وبعض القتلة كمنظمة داعش الأرهابية، وهل للمرء الأن من حاجة لثقافة جنسية في القرن الواحد والعشرين، وهل من الطبيعي والأنساني أن يأخذ المسلمون جزية من الكفرة/المسيحيين واليهود! .. فيما يلي بعض الأضاءات العامة:

أولا ليس من أجماع على هذه النصوص والأحاديث الماضوية، وذلك لأنها قد فقدت فعاليتها مع ظروف العصر الحالي، وفقدان الأجماع عليها ليس من الضروري أن يجهر به من قبل الباحثين أوالمهتمين أوالمؤمنين أو..، لأنه مضمور في القلوب والعقول.

ثانيا الهمهمة والغمز واللغط بدأ ينتشر منذ سنين بين المفكرين المتنورين، كالراحل فرج فودة والراحل نصري حامد أبو زيد وسيد القمني وأحمد القبانجي وغيرهم، وهذا قاد الى حراك فكري حداثوي لكسر صنمية هذه النصوص التي لا تخدم ديمومة و أستمرار الأسلام.

ثالثا بقاء هذه الصنمية في النصوص أدى الى دفع الكثير من المسلمين الى تغيير مذهبهم أو معتقدهم أو قادهم الى الألحاد أو اللادينية ..

رابعا أن بقاء الحال على ما هو عليه سيعمل على خلق فجوة فكرية في المعتقد وذلك لتخلف النص عن مواكبة العصر، وهذا مؤكد مثلا، في قوله تعالى (ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين( 51 سورة المائدة، وذلك لأن هذه الأية / على سبيل المثال، تحث وتشير بالوقت نفسه الى التفرقة والطائفية وعدم المساوات في الحقوق والمواطنة بين أبناء المجتمع الواحد ..

خامسا أن مهمة الأسلام كدين ومعتقد، هو التعبد في حب الله وليس الجهاد والسبايا، وما يتبعها من من قتل وعنف ودمار، وأفضل مثال على هذا هو ما يحدث في سوريا من خلال المجاهدين!!

 فعلى شيوخ ورجال ودعاة الأسلام الحث على التمسك ب أركان الإسلام ((مصطلح إسلامي، يطلق على الأسس الخمس التي يبنى عليها دين الإسلام، ويدل عليها حديث : “ بني الإسلام على خمس” ووردت في الأحاديث النبوية بصيغ متعددة، وهي: الشهادتان، شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة ان محمداً رسول الله )إقامة الصلاة) وهي خمس صلوات في اليوم والليلة )إيتاء الزكاة صوم شهر رمضان. حج البيت ( من استطاع إليه سبيلا، أي للقادرين – نقل من الويكيبيديا))، والأبتعاد عن نصوص السيف والقتل والعنف والجهاد ..

 الختام:

ليس الهدف أو الغاية من هذا “البحث المختصر” هو ألغاء أو شطب هذه النصوص، وذلك لفعالية هذه النصوص في وضعها الماضوي وفق زمان ومكان قد قضى، ولكن هدف البحث هو من أجل الحداثة وقراءة المعتقد بصيغة حضارية ومجتمعية، ومن الضروري وقف تدريس وقراءة هذه النصوص في المدارس والمعاهد والجامعات وخاصة المؤسسات الدينية كالأزهر والحوزات الدينية ..، وهذا الأمر يتطلب وقفة حق شجاعة كوقفة عمر بن الخطاب / عندما أبطل سهم المؤلفة قلوبهم وقطع يد السارق ..، خاصة من قبل شيخ الأزهر الأمام الأكبر أحمد الطيب ومفتي الأزهر شوقي علام، ومن قبل المراجع الشيعية ومن قبل شيوخ الدين المتنورين .. ومن الضروري التركيز على نشر أيات تشجع على التعامل مع أهل الكتاب عامة بشكل حضاري، وفق قوله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) 46 سورة العنكبوت، والتركيز على التفاهم وفق أسلوب مبني على السلم بعيدا عن العنف والعصبية والفوقية، كقوله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) 34 سورة فصلت، والأبتعاد عن النهج العدواني الماضوي الذي كان ماثلا مع يهود بني قريضة وبني النضير.. الذي كان سائدا قبل 14 قرنا والذي ليس له من فائدة في الوقت الحاضر، كقوله تعالى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) 82 المائدة.. علما أن المسيحيين هم أيضا مشركون في المعتقد الأسلامي، ولكن ختام الأية تعطي للمسيحيين مكانة وأفضلية، وهذا حقا محيير!.

 أخيرا أن الدين هو أسلوب حياة ونهج لبناء قيم المجتمع وطريق قويم للأخلاق، وليس الدين قشور نصوص وقيم وعادات سادت في حقبة البداوة والغزو والغنائم والسبايا والغلمان ..، فمن أراد تلك الحقبة فليعلم أنها قد أنتهت ولن تعود، ومن أراد الحياة فعليه أن يستنير ويمضي قدما الى الأمام وليس الى الوراء !

 

Follow Us