Articles Arabic

النص القرأني بين العبودية الماضوية والحرية الحداثوية

يوسف تيلجي  

أستهلال :
أرى ان أي قراءة حداثوية لأي فكر ماضوي ، أن كان موضوعا معينا أو أي حدثا محددا أو أية قضية أو حادثة أو واقعة معنونة .. أو أي نصا قرأنييا / موضوع البحث ، يحتاج منا الى قابلية فكرية متطورة متنورة وبنفس الوتيرة من الضروري أن يرتبط بنمط معين من حرية الرأي التي لا تقيده سقفها حدود ، لأجله لا بد للفرد الذي يبحث في هكذا نهج أن يكون ذو أراء وأفكار مستقلة غير تابعة أو غير مرتبطة بهذا الفكر أو ذاك ، أضافة الى أسلوب معين من الجرأة الأدبية والفكرية ، مع أسلوب بحثي علمي متميز ، يربط القراءة الحداثوية بالتفسير الماضوي لأستنهال الفكر والمعاني والهدف المراد من القراءة  ، و( .. يرتبط مفهوم حرية التفكير بمفاهيم حرية الدين ، وحرية الكلام ، وحرية التعبير على الرغم من الاختلاف فيما بين تلك المفاهيم ، ويعتبر أحد الحريات الرئيسية التي نص عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 18 تحت نص ” لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته ، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة . ”  / نقل بتصرف من الموسوعة الحرة ) ، هذا هو المراد من هذا البحث المختصر .


النص :
*  وسأستعرض بعضا من النصوص التي لا تحتاج منا / حسب رأي الشخصي ، لأي قراءة ، ماضوية  كانت أو حداثوية ، ليس لأن هذه النصوص مفهومها مرتبط بالحق الدنيوي لحياة البشر أو بالعقيدة أو بطريقة التعامل أو بالتقوى ،  بل لأنها منطقيا  تتفق مع العقل والفكر المتمدن المتمدن ، ومن هذه النصوص : (  وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) 9  / سورة التكوير ، و ( واقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) ٤٣/ سورة البقرة ، و ( أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) 125 / سورة النحل ، و ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) / 13 الحجرات …
**  أما من النصوص التي تستوجب القراءة الحداثوية ، والتي تجعلنا في جانب حياتي ماضوي ببعد زمني سقفه أكثر  من 14 قرنا هو الأتي / وهي على سبيل المثال وليس الحصر ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) / 51 سورة المائدة . وحول موضوعة حور العين ، ( فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ) الرحمن/70 – 76 . و ( وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) / 23 الواقعة  .وحول أرضاع الكبير ، أورد الحديث التالي ( وحدثني أبو الطاهر وهارون بن سعيد الأيلي واللفظ لهارون قالا حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه قال سمعت حميد بن نافع يقول سمعت زينب بنت أبي سلمة تقول سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول لعائشة والله ما تطيب نفسي أن يراني الغلام قد استغنى عن الرضاعة  فقالت لم قد جاءت سهلة بنت سهيل إلى رسول الله ، فقالت يا رسول الله إني لأرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضعيه فقالت إنه ذو لحية فقال أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة فقالت والله ما عرفته في وجه أبي حذيفة ) / نقل من موقع الأسلام ، أما النص الذي سنسلط الضوء عليه هو التالي :  ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله و لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون ) / سورة التوبة       29. وسوف أورد بعضا من الأضاءات التي تتلائم مع منطوق وسياق النص ، ومن مصادر أسلامية معتمدة :


1. ففي موقع ” دعوة الحق ” يعرف لنا الموقع معنى أو مفهوم الجزية ، وكما يلي ( الجزية ضريبة تفرض على رؤوس من دخل في ذمة المسلمين من أهل الكتاب . وهي من غير المسلمين قائمة مقام الزكاة من المسلمين ، وذلك أن كل فرد من أفراد الدولة قادر على أن يؤدي قسطا مما يصرف في المصالح العامة يجب أن يفرض عليه هذا القسط ليكون له مقابل هذا الواجب التمتع بالحقوق.  فإن كان الفرد من الرعية مسلما فالواجب عليه معين في ماله وهو الزكاة . وإن كان من غير المسلمين فالواجب عليه معين على رأسه ، وهو بمنزلة الزكاة من المسلم ، وإذا أسلم الذمي سقطت عنه الجزية ووجبت عليه الزكاة في ماله . وأهل الذمة هم أهل الكتاب ، وبينهم وبين المسلمين عهد مؤبد ، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم . ) … وهذا البيان من باب مفهوم الجزية أراه سردا عاديا مقبولا كتعريف ، وهذا ليس من باب قبولي للجزية كمبدأ أو فريضة على أهل الكتاب ، كما أني لا أومن بأي طبقية بين المواطنة كمفهوم تستوجب على البعض دفع مقابل مادي لقاء مواطنتهم !!! .
2. وبعض المواقع تتاجر ببعض المفاهيم / كالجزية ، وتعتبرها نبلا كما جاء في موقع ” صيد الفوائد ” ( .. لكن الإسلام كعادته لا يتوقف عند ممارسات البشر السابقة عليه ، بل يترفع عن زلـلهم ، ويضفي خصائصه الحضارية ، فقد ارتفع الإسلام بالجزية ليجعلها ، لا أتاوة يدفعها المغلوبون لغالبهم ، بل لتكون عقداً مبرماً بين الأمة المسلمة والشعوب التي دخلت في رعويتها . عقد بين طرفين ، ترعاه أوامر الله بالوفاء بالعهود واحترام العقود ، ويوثقه وعيد النبي لمن أخل به ، وتجلى ذلك بظهور مصطلح أهل الذمة ، الذمة التي يحرم نقضها ويجب الوفاء بها ورعايتها بأمر النبي ) .. وهنا نرى خللا فكريا و نمطا لا أخلاقيا ولا أنسانيا كالذي يبينه الموقع ، حيث بين الموقع بهتانا ، بأن الأسلام أضفى خصائصه الحضارية على الجزية هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أعتبر الجزية كعقد بين طرفين ، وفق النظرية الشرعية أن ” العقد شريعة المتعاقدين  ” ، فأي خصائص حضارية وأي عقد هذا ، لطرف غالب وأخر مغلوب مغتصب ، وهل لحماية المواطنة من خصائص حضارية أنسانية ، وهل مصطلح ” أهل الذمة  ” مصطلحا مدنيا حضاريا !! .  
 

3. أما مستهل الأية / موضوعة البحث ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله  ) ، فوفقا لقرأتي : هل أهل الكتاب لا يؤمنون بالله ! وهل هم غير موحدون ! وهل هم لا يؤمنون باليوم بالأخر ! وأذا كان كذلك لم جاءت أية ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ) / 3 سورة آل عمران ، فكيف  الأسلام ورسوله يصدقون التوراة والأنجيل وهم لا يؤمنون بكل ماسبق ذكره ! هذا كله أولا ،  ثانيا ، لم يدعون الى قتالهم  / أهل الكتاب ، وهل القتل هو الحل !! ثالثا ، لم الأسلام يصدق كتبا / التوراة والأنجيل ، لا تؤمن بالله ورسوله ! ، رابعا ، كيف يؤمن / أهل الكتاب ، بالرسول محمد وبينه وبين المسيحية / المسيح 6 قرون ، وبين اليهودية والمسيحية عدة قرون ! ( فقد جاء في بعض الروايات أن بين موسى وعيسى عليهما السلام ألفا وسبعمائة سنة ، وقيل كان بينهما ألف وخمسمائة سنة .. / نقل من موقع مركز الفتوى ) ، ولا توجد أية أيات تشير الى ذلك  لا توراتيا ولا أنجيليا ! وهناك فارق زمني يمتد لقرون عديدة بين الأسلام وبين الديانتين واليهودية والمسيحية ، خامسا ، هناك تساؤل ، لم الدعوة للقتال وهناك طرق سلمية أخرى كالجدال  والحوار ! علما أن الدعوة للقتال تتناقض مع الأية ( وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) 125 / سورة النحل !!! .
4. أما في تفسير تعبير ” عن يد وهم صاغرون ” ، فالموقع  quran.ksu.edu.sa/…/sura9-aya29  يبين الشرح التالي لها .. ( كذلك تقول العرب لكل معطٍ قاهرًا له ، شيئًا طائعًا له أو كارهًا ” أعطاه عن يده ، وعن يد “.  وذلك نظير قولهم : ”  كلمته فمًا لفمٍ “، و ” لقيته كَفَّةً لكَفَّةٍ ” ، وكذلك: ” أعطيته عن يدٍ ليد “. وأما قوله  وهم صاغرون ، فإن معناه : وهم أذلاء مقهورون .  يقال للذليل الحقير : ”  صاغر ” .. ) … وأنا أقول ” من فمك أدينك ” ، فليس من تفسير أذل و أخزى وأحقر وأكثر أهانة مما فسر المفسرون المسلمين لجملة ” وهم صاغرون ” ، فأي خصائص حضارية للذي يدفع الجزية وهو مهان حقير ذليل ، ولم هذا المهانة تجاه أهل الكتاب ، وهم بشر حالهم حال المسلمين دما ولونا وجسما وأنسانية !!! . ومن طرف أخر هل تعبير ” أهل الذمة ” ، تعبير حضاري للمواطنة الحقة ، أم هو مصطلح يبين الفوقية بين أبناء الوطن الواحد !! .

القراءة :
أولا – ليس هذا بحثا شاملا ، بل هو بحثا أنتقائيا لبعض النصوص التي أرتأيت سردها على سبيل المثال وليس الحصر ، وفي المستقبل من الممكن أن أتناول نصوصا أخرى .

 ثانيا – كل نص يخضع للرأي والرأي الاخر ،  ولا يعقل أن يكون الرأي المخالف رده بالسيف أو أن تقابل الحجة بالرجم  ، ولم أي رأي مخالف يتهم صاحبه أما بأنه كافر أو أنه يزدري الأديان أو أنه ملحد زنديق أو أنه مرتد / كمسلم البحيري ، حتى بات قول أي كلمة أو جملة أو رأي حراما  وغير مسموح به ، حتى كأننا  في سجن فكري مكمم للأفواه ، أو كأننا نعيش حقبة سلب للعقل المتنور و مصادرة للحرية الفكرية ! .

ثالثا – هناك خللا فكريا بين القراءة الحداثوية للنصوص بين العلمانيين وبين الأسلاميين ، فرأي العلماني دائما يرد عليه من قبل شيوخ الأسلام بالكفر والخروج عن الملة والتحريض على القتل ، كما حصل مع المفكر د . فرج فودة / الذي أغتيل ، ولا يحدث العكس ، فهل العلماني ، في حالة مخالفته لرأي المسلم ،  يحرض أو يشجع على قتل المؤمن / وفي صدد المقال المسلم ! ، ولماذا دائما يحدث العكس !.

رابعا – لماذ هناك ” فيتو ” على أي قراة حداثوية لأي نصوص ماضوية ، مثلا ، العامة والكثير من جمهور المسلمين قد ينكر وجود الرق بالأسلام ، بينما الرق منصوص عليه ، ففي موقع ” أسلام ويب ” يبين أن : ( إنكار وجود الرق جهلٌ واضح بالكتاب والسنة ، ومنشأ هذا القول هو الفرار من التهم الباطلة التي يلصقها الكفارُ وأذنابهم بالإسلام ، وليس الإسلامُ موضوعاً في قفصِ الاتهام حتى ندافع عنه بإنكار الثابت ثبوتاً قطعياً ، قال تعالى:  ” إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ .”   / المؤمنون 6 ، ومُلكُ اليمين هو الرقيق بلا نزاع .. ) … فكيف تقرأ حداثويا هكذا نصوص ، وهل ممكن أن تكون المرأة / الأم والأبنة والأخت سبية ، كما حدث مع اليزيديات ! وكيف أن نقبل نصا / الرق ، بهذا المفهوم في القرن 21 !!.

خامسا – من الملاحظ أن المؤسسة الدينية عندما ترتبط بالقوة والسلطة معا فأنها تصبح خطرا محدقا بمستقبل الكلمة الحرة والرأي المستقبلي ، فلا يوجد نهوض فكري عندما تكون مصير أي قراءة حداثوية مقبرة السلطة الدينية . 

Follow Us