Articles Arabic

النص القرأني .. بين الواقع والخيال

يوسف تيلجي 

 المقدم:

يؤمن جمهور علماء المسلمين ، بأن للنص القرأني قدسية تامة، وهذا تحقق من خلال أن مفهوم هذا النص ثابت مطلق، لا تمسه أية شائبة .. لا في المفردة المستخدمة،  ولا في الصياغة، أو في النحو، أو بطريقة الأسلوب، أو في المفهوم الموظف في النص، وبكل ما أحتواى القرأن من بناء معلوماتي في الايات والسور عامة .. ، فالنص لغة وقواعد ، منزهة عن أي شك أو أي زيغ / أي الميل عن الحق ، كقوله  ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ  وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ  وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا  وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) 7 سورة أل عمران .. أضافة الى أن أيمان وأعتقاد علماء المسلمين عامة بأن النص القرأني تأريخيا  لا يتأثر بالظروف الزمكانية ..

في هذا المقال سأطرح قراءتي لاية قرأنية واحدة كنموذج ومثال ، وهي أية (الأسراء و المعراج ) لكي أبين / وفقا لما تقدم ، هل من الممكن أن نطبق أو أن نقبل أو أن نؤمن ونعتقد ما يؤمن وما يعتقد به جمهور علماء  المسلمين بقدسية المحتوى العام للنص القرأني بعالم وواقع اليوم .

النص:                                                                                                                     

   أولا سأطرح موضوع الأسراء و المعراج ، وفق الأيتين التاليتين ، وسأورد بعد ذلك بعض التفاسير الخاصة بالعملية ، مع الأستطراد للأيتين وما يتعلق بهما من مفردات ، ثم سأعرض قراءتي الخاصة لمفهوم الأسراء و المعراج  وفقا لتحليلي الشخصي :

} إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفُتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } ( النجم :  5 – 19  ) .

“سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير” (الإسراء 1 )                                                                                                                          

  التفاسير :                                                                                                              

  في تفسير ما مضى .. فالإسراء والمعراج من معجزات النبي محمد ، التي أعجزت أعداء الله في كل وقت وكل حين وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى متى كانا  :
بالنسبة للزمان ، فقيل أنها ليلة الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول ولم تعين السنة ، وقيل أنها قبل الهجرة بسنة ، فتكون في ربيع الأول ، ولم تعين الليلة ، وقيل قبل الهجرة بستة عشر شهراً ، فتكون في ذي القعدة ، وقيل قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقيل بخمس ، وقيل : بست ، والذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة . واختلفوا المفسرين ، هل كان الإسراء ببدنه عليه الصلاة السلام وروحه ، أم بروحه فقط ، والذي عليه أكثر العلماء أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لامناماً لان قريش أكبرته وأنكرته ، ولو كان مناماً لم تنكره لأنها لا تنكر المنامات ، يمجد تعالى نفسه ، ويعظم شأنه لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه ، فلا إله غيره ولا رب سواه (( الذي أسرى بعبده )) يعني محمداً صلى الله عليه وسلم (( ليلاً )) أي من الليل (( من المسجد الحرام )) وهو مسجد مكة (( إلى المسجد الأقصى )) وهو بيت المقدس الذي بالقدس مصدق الأنبياء من لدن إبراهيم عليه السلام ، ولهذا جُمعوا له هناك فأمهم في محلتهم ودارهم ، فدل على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . وقوله (( الذي باركنا حوله )) أي في الزروع والثمار (( لنريه )) أي محمداً (( من آياتنا )) أي العظام ، كما قال تعالى : (( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ))   / نقل بتصرف من موقع  صيد الفوائد – من مقال بعنوان ” الأسراء و المعراج  ” ، بقلم – يحي الزهراني .                                                                                                   

  وفي هذا المقام سأورد مقطعا أخرا مختارا من تفسير ” أبن كثير ” لعملية الأسراء و المعراج  (( .. حتى جاء سِدْرَة المنتهى ، ودنا الجبار رب العزة فتدلى ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله إليه فيما يوحى : خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة . ثم هبط به حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : ” يا محمد ، ماذا عهد إليك ربك؟ ” قال : ” عهد إليّ خمسين صلاة كل يوم وليلة ” قال : ” إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم “. فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك ،  فأشار إليه جبريل : أن نعم ، إن شئت. فعلا (1) به إلى الجبار تعالى ، فقال وهو في مكانه : ” يا رب ، خفف عنا ، فإن أمتي لا تستطيع هذا ” فوضع عنه عشر صلوات ، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه ، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات . ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : ” يا محمد ، والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا ، فضعفوا فتركوه ، فأمتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا ، فارجع فليخفف عنك ربك ” كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ، ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة فقال : ” يا رب ، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم (2) وأبدانهم فخفف عنا ” فقال : الجبار: “ يا محمد ، قال : “ لبيك وسعديك ” قال : إنه لا يبدل القول لديّ ، كما فرضت عليك في أم الكتاب : “ كل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك “ ، فرجع إلى موسى فقال : “ كيف فعلت ؟ ” فقال : “ خفف عنا ، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها ” قال : موسى : ” قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ، فارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضًا “. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يا موسى قد – والله استحييت من ربي مما أختلف إليه ” (3) قال : ” فاهبط باسم الله ” ، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام . هكذا ساقه البخاري في “ كتاب التوحيد ” (4) ، ورواه في “ صفة النبي صلى الله عليه وسلم ” ، عن إسماعيل بن أبي أُوَيْس عن أخيه أبي بكر عبد الحميد، عن سليمان بن بلال (5) . ورواه مسلم ، عن هارون بن سعيد ، عن ابن وَهْب ، عن سليمان (6) قال : “ فزاد ونقص ، وقدم وأخر” (7) . وهو كما قاله (8) مسلم ، رحمه الله ، فإن شريك بن عبد الله بن أبي نَمِر اضطرب في هذا الحديث ، وساء حفظه ولم يضبطه ، كما سيأتي بيانه في الأحاديث الأخر . ومنهم من يجعل هذا منامًا توطئة لما وقع بعد ذلك ، والله أعلم . [وقال] (9) البيهقي : في (10) حديث “ شريك ” زيادة تفرد بها ، على مذهب من زعم أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، يعني قوله : ” ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى” قال : وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل – أصح (11) ../ نقل تفسير ” بن كثير” بتصرف من الموقع التالي:     madrasato-    mohammed.com/…/kathir282.htm .                                      

  أما رواية ” عبد الله بن مسعود حول نفس الموضوع / الأسراء و المعراج ، ولكن في موضع أخر ، وهي ” الدابة ” المستخدمة في العملية  ، فيما بلغني عنه يقول ‏‏:  أُتي رسول الله ) بالبراق ( وهي الدابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء قبله ، تضع حافرها في منتهى طرفها فحُمل عليها ، ثم خرج به صاحبه ، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له ، فصلى بهم ‏‏.‏‏ ثم أُتي بثلاثة آنية ، إناء فيه لبن ، وإناء فيه خمر ، وإناء فيه ماء ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله  ‏‏:‏‏ فسمعت قائلا يقول حين عُرضت علي ‏‏:‏‏ إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته ، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته ، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأخذت إناء اللبن ، فشربت منه ، فقال لي جبريل ‏‏:‏‏ هُديت وهديت أمتك يا محمد ‏‏.‏‏.. تفسير كلمة البراق في الروايات الإسلامية : هو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ” /  ( نقل بتصرف من الويكيبيديا ) .

وبخصوص المسجد الاقصى / الذي زاره الرسول خلال رحلته  ، فالثابت في الحديث الشريف أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض ، عن أبي ذر الغفاري ، رضي الله تعالى عنه ، قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال :” المسجد الحرام” ، قال : قلت ثم أي؟ قال :” المسجد الأقصى” ، قلت : كم كان بينهما ؟ قال : أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة فصله ، فان الفضل فيه.”  رواه البخاري .
والأرجح أن أول من بناه
هو آدم عليه السلام ، اختط حدوده بعد أربعين سنة من إرسائه قواعد البيت الحرام ، بأمر من الله تعالى ، دون أن يكون قبلهما كنيس ولا كنيسة ولا هيكل ولا معبد. وذكر بعض الفقهاء أن الملائكة هم أول من بنوا المسجد الأقصى./ نقل بتصرف من موقع فلسطين سؤال و جواب .

وفي شرح التعريف ب ” سدرة المنتهى ” أنقل التفسير التالي من موقع أهل السنة .. (( من معجزة رحلة الإسراء والمعراج ، أن في تلك الليلة عندما ارتقى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة المِرقاة ، وهي سلم موصول بين الأرض والسماء ، درجة من ذهب ودرجة من فضة ، رأى عجائب كثيرة ومنها شجرة عظيمة اسمها “ سدرة المنتهى” أصلها في السماء السادسة وتمتد حتى تصل إلى السماء السابعة ثم إلى ما شاء الله تعالى ، ولقد رءاها الرسول في السماء السابعة ، وهذه الشجرة جميلة جدًا ، حتى أنه صلى الله عليه وسلم قال : “ فما من أحد يستطيع أن ينعتها من حسنها “. وأوراقها مثل أذان الفيلة ، وثمارها كالقِلال أي الجِرار الكبار ويخرج من ساقها أنهار عظيمة لذيذة المذاق ،  ومن وفرة أوراقها وأغصانها وضخامتها أنَّ الراكب المسرع يسير في ظلها مائة عام ولا يقطعها ، ويحوم حولها ويغشاها فراش من ذهب وأنوار عظيمة تزيدها جمالاً فوق جمالها ، كذلك هناك ملائكة يسبحون الله تعالى عليها  وسدرة المنتهى تختص بثلاثة أوصاف : الظلّ المديد ، والطعم اللذيذ ، والرائحة الزكية رزقنا الله رؤيتها وأكرمنا بأن نأكل من ثمارها ومن ثمار الجنة بجاه نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم . )) .

وفي موقع الدرر السنية ، نشير الى حديث عائشة و معاوية عن الأسراء ، ثم عن عملية أستخراج قلب النبي : أولا لنتعرف لغويا على كلمة معراج ،  }المعراج : مفعال ، من العروج ، أي الآلة التي يعرج فيها ، أي يصعد ، وهو بمنزلة السلم ، لكن لا يعلم كيف هو ، وحكمه كحكم غيره من المغيبات ، نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته. وقوله: وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة – اختلف الناس في الإسراء . فقيل : كان الإسراء بروحه ولم يفقد جسده ، نقله ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما ، ونقل عن الحسن البصري نحوه . لكن ينبغي أن يعرف الفرق بين أن يقال : كان الإسراء مناماً ، وبين أن يقال : كان بروحه دون جسده ، وبينهما فرق عظيم . فعائشة ومعاوية رضي الله عنهما لم يقولا :  كان مناما  ، وإنما قالا : أسري بروحه ولم يفقد جسده . وكان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، والمعراج من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى ثم إلى حيث شاء الله عز وجل ، قال الله تبارك وتعالى في ذكر الإسراء بسم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصيرُ/ الإسراء:1 ، وقال تبارك وتعالى في ذكر المعراج وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى [النجم:13 – 18 ، وقال البخاري رحمه الله تعالى : باب حديث الإسراء وقول الله تعالى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجِدِ الأَقْصَى الإسراء:1 ، حدَّثنا يحيى بن بكير حدَّثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدَّثني أبو سلمة بن عبدالرحمن سمعتُ جابرَ بن عبدالله رضي الله عنهما قال سمعت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول : لما كذبني قريش ، قُمْتُ في الحجر فجـلا اللهُ لي بيت المقْدِسِ ، فطفقت أُخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه . باب المعراج . حدثنا هديةُ بن خالد حدثنا همام بن يحيى حدَّثنا قتادةُ عن أنس بن مالك عن مالك ابن صعصعة رضي الله عنهما أنَّ نبيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم حدثهم عَنْ ليلة أسري به قال:  بينما أنا في الحطيم – وربما قال في الحجر – مضطجعاً إذ أتاني آتٍ ، فقد قال وسمعته يقول ، فشقَّ ما بين هذه إلى هذه ))  فقلتُ للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به ؟ قال من ثغرةِ نحره إلى شعرته . وسمعتُه يقول : مِنْ قَصَّهِ إلى شِعْرَتِهِ  ((فاستخرج قلبي . ثم أتيتُ بطست من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي ، ثم حُشي ، ثم أعيد . ثم أتيت بدابةٍ دون البغل وفوق الحمار أبيض  )) فقال الجارود : هو البراقُ يا أبا حمزة ؟ قال أنس : نعم  ((يضع خطوَه عند أقصى طرفه ، فحُملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتَّى أتى السَّماءَ الدنيا فاستفتح ، فقيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أُرْسِلَ إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مَرْحباً به { .

  القراءة الحداثوية للنص :

  نص الأسراء و المعراج ، نص يستحق التأمل والتمحيص والتدقيق والبحث وأعادة قراءته حداثويا ، من ناحية المفهوم والنهج والمعنى و المغزى المراد منه ، أضافة الى محاولة فهم المفردات المستخدمة في الأسلوب كمواضيع ، وسأتناول “بعضا من الأحداث الواقعة فيه” بشئ من التحليل من خلال وجهة نظري .                         

 أرى أنه من غير الممكن أن يقفز النص زمانا و مكانا، الى عصرنا الحالي ، أي لا بد لنا أن نقرأه / أي النص ، بالمفهوم الحالي للتأريخ – للقرن الواحد و العشرين ، وألا نكون قد أغفلنا التطور التأريخي للعلم و الوقائع و الأحداث و الحقائق .

أولا : عملية الأسراء و المعراج  مجهولة زمنيا ، الكل أختلفوا في مكان حدوثها وزمان توقيتها وتأريخ وقوعها ، و مما أنتهوا أليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة وقبل الهجرة ( علما أن السيد أية الله القزويني قال في حديث متلفز أن الأسراء و المعراج حدثت عشرات المرات ! ) ، وهنا أرى أن التفسير/ زمانيا ، كان بالمطلق ليس به من محدد زمني معلوم يمكن الرجوع أليه أو الأعتماد عليه ، وهذا يدل على أن الرسول لم يروي الحادثة في زمن حدوثها أو في وقت وقوعها ، أو أنه لم يكن متأكدا منها يقينا ، فذكرها لاحقا وقت تذكره لها ! .

ثانيا :  هل الرسول أسرى ( روحا ، أم بدنا وروحا معا ) ، وهذه أشكالية كبرى ، لأنه لو كان الأسراء روحا ، فلا تنطبق عليه ما حدث لاحقا من أحداث خلال الأسراء ، مثلا .. كان لا يحتاج لركوبه الدابة – البراق ، وبنفس الوقت كيف لروح الرسول أن تشق من اجل أستخراج قلبه ..! أما أذا كان الأسراء بدنا و روحا فالأمر يأخذ مسارا أخر ، وأيضا هناك خلاف في هذا ، وبالرغم من أن .. ” والذي عليه أكثر العلماء أنه أسرى ببدنه وروحه يقظة لامناماً ، أما ما نقل عن ابن إسحاق عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما / خلاف ذلك ،

ثالثا : أما أن تكون الرحلة على البراق فهذا أمرا أخر / وهي الددابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء من قبله ، وهو حيوان أبيض دون البغل وفوق الحمار ، الغريب في الأمر أنه حيوان طائر ، وهي التي نقلت الرسول محمد  من المسجد الحرام الى القدس هذا في الأسراء ، ثم عرج من المسجد الأقصى الى السماوات ، في التراث الأسلامي يقال أنها دابة الانبياء ، ولكننا لم نسمع أن السيد المسيح مثلا  قد أستخدم دابة بهذا الأسم ، علما أنه دخل أورشليم على جحش ! أنه موضوع مثير وعجيب أن تستخدم نفس دابة النبي أبراهيم في أسراء النبي محمد! وبعض التراث الأسلامي يقول أنها مجنحة… ومن الممكن ان يكون مصدر فكرة البراق هو ” الحصان المجنح أو بيغاسوس بالإنجليزية  Pegasus  وهو الحصان الأسطوري المجنح في  الميثولوجيا الإغريقية ، أنشأه  بوسيدون ، وكان له دور كبير في الأساطير . ذكر بيجاسوس في أسطورة هرقل ابن  زيوس ، تروي الأسطورة أنه خلق من جسد ميدوسا بعد أن قطع بيرسيوس رأسها ، وأنه ما أن ولد حتى طار إلى السماء ..” / نقل بتصرف من الموسوعة الحرة .. كذلك لم نعلم كيفية تنقل جبريل الذي كان يرافق الرسول محمد  ، هل كانا على نفس الدابة / البراق ، أو لكل منهما دابة ، أم كان جبريل يتنقل بروحه فقط ! .

رابعا : أما أرتقاء / الرسول محمد ، بواسطة المرقاة ، وهو سلم موصول بين الأرض والسماء ، درجة من ذهب ودرجة من فضة ،  ورؤيته لشجرة عظيمة اسمها “ سدرة المنتهى” أصلها في السماء السادسة وتمتد حتى تصل إلى السماء السابعة  ( ومن وفرة أوراقها وأغصانها وضخامتها أنَّ الراكب المسرع يسير في ظلها “ مائة عام “ ولا يقطعها .. ) ، ثم لقاء النبي بالله تعالى / الجبار ، قرب سدرة المنتهى ، والجدل الذي حدث بينهما حول عدد الصلوات ، والتي أستطاع النبي / بمساعدة النبي موسى ، وبدور خفي مستتر من جبريل ، أن يقنع الله بتقليلها بعد جهد ، من 50 صلاة الى 5 صلوات ، فأعتقد أنه أمر ليس غريب و عجيب بل أنه أمر غير منطقي وهزيل ، وأراه أولا أنه ضربا من الخيال وثانيا به تصغير و أستخفاف بالله تعالى .. فكيف  الله تعالى يبدأ الأمر ب  50 صلاة وينتهي 5 صلات / كأنها مساومة تجارية وليس قضية دين ومعتقد ! فهل هناك من منطق وعقلنة في مثل هكذا موضوع ! وما هذه الشجرة العجيبة / سدرة المنتهى ، التي أصلها في السماء السادسة وتمتد حتى تصل إلى السماء السابعة ! وما معنى الأنيات الثلاثة / وكأن العملية فحص و أمتحان !  وكيف تكلم النبي مع الله ! .. كل هذه الأمور هي أغرب من أن تجري و أن تعقل بين نبي وخالقه !! لأنها أبعد حتى من الغيبيات  .

خامسا : ومن تفسير أبن كثير أن الرسول حين انتهى إلى بيت المقدس ، وجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له ، فصلى بهم أماما ! فعجبا بأي لغة صلى الرسول ، والأنبياء لغاتهم مختلفة ك (العبرية والأرامية والعربية  و.. ) ، وهل الصلاة كانت أسلامية ، أم يهودية ، أم مسيحية ، أم .. ، كما أنه من المؤكد أن الصلاة حدثت على الأرض ! مع أن عيسى المسيح هو مرفوع للسماء بقوله تعالى  أذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ  أل عمران 55 ، وأن كل الأنبياء قد ماتوا ولم يكن أحدا منهم حيا بأعتراف الأنجيل و القران سوى المسيح ، أذن مع من صلى الرسول محمد ! ، وكل الأنبياء أموات والحي الوحيد هو – المسيح ، وهو أيضا في السماء ! ، أم قد حدث أستقبال أرضي للرسول أدى الى قيام الأنبياء من قبورهم وأدى الى الى نزول المسيح من السماء الى الأرض ، ليقيم الكل الصلاة مع الرسول !! .

سادسا : وحديث “ أنس بن مالك عن مالك ابن صعصعة ” ، ( حين كنت مضطجعاً / أي الرسول ، إذ أتاني آتٍ ، فقد قال وسمعته يقول ، فشقَّ ما بين هذه إلى هذه .. فاستخرج قلبي . ثم أتيتُ بطست من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي ، ثم حُشي ، ثم أعيد .. ) ، أكثر من سؤال في هذا المقطع ، من الذي شق الصدر وأخرج القلب ، ومن الذي غسله ، ومن الذي أرجعه .. ) لم تذكر التفاسير من  قام بكل هذا ، أهو الله ، أم جبريل أم من !! وهل الأيمان يكال أو يوزن  أو يوضع  بالطست ثم تحشى به القلوب ! وكيف بقى الرسول حيا وهو منزوع القلب ! ، ألا  أذا كان أسراء الرسول محمد حدث بالروح وليس بالجسد مثلا ! .

خلاصة القول ، أن النص القراني / الأسراء و المعراج ، له واقعه التأريخي الماضوي الذي يمتد الى أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن ، وقدسية النص لا تمنعنا  من قرأته حداثويا بواقع اليوم بكل تطورات الحياة ، العلمية والأجتماعية و الثقافية و الفكرية .. ، ولكي نقبل النص ، لا بد من عملية توافقية بينه وبين حركة الواقع ، ولكي نفهم النص و التأريخ معا  أرى ان يفسر النص انطلاقا من التأريخ  ،  لا أن نجعل النص هو المفسر للتأريخ الأسلامي ، لأننا سنكون بذلك قد قفزنا على حيز الزمان و المكان سوية .  و النص الذي نحن بصدده / الأسراء و المعراج ، هو أحد النصوص التي يجب الوقوف عندها متأملين تأملا علميا منطقيا عقلانيا  و ليس تأملا دينيا غيبيا ، وأن قبول مفهومه و محتواه سابقا ، لا يعني أننا نقره حاليا وسنقبله مستقبليا  ، وذلك لأنه ملئ بالخيال و الغيبيات و الأساطير .. وأرى أن سلمنا بحدوثه ووقوعه فعلا يقظة بدنا وروحا فأن هذا الأحتمال يفتقد للمنطق من جانب ويفتقر على أقل تقدير / من جانب أخر ، الى شاهد ، عدا جبريل ، و الأنبياء و رب العزة ..                                                                                      

 ختاما لهذا لبحث المختصر ، مما سبق وأشارة الى كل التوضيحات أنفة الذكر ، أرى أنه من غير الممكن حدوث عملية الأسراء و المعراج يقظة بالروح والبدن ، أو حتى بالروح أقتصارا ، ولكن لأن الأمر مثبت بنص قرأني ، أني أعتقد بحدوثه ليس يقظة  ، لأني أرى أنه كان حلما أو رؤية ، رأها الرسول في منامه ! ثم قصها فيما بعد / لاحقا ، على الأهل و الأصحاب و العشير والتابعين .

Follow Us