Articles Arabic

الموقف بين بطريرك منتصر وكاهن مظلوم

د. نزار ملاخا

كانت اللحظات الأخيرة التي عاشها الأب نوئيل گورگيس في مساء الجمعة 15 تموز 2016 وهو يودع جماهير شعبه الذين حضروا تلك المسائية الوداعية بعد صدور قرار إعفائه، حيث كانت خطبته المسائية آخر لقاء له وذلك حسب التوجيهات أو الأوامر التي نقلها سيادة المطران شليمون وردوني عن لسان البطريركية ومنها ما نشره الأخ يوسف أبو يوسف في الموقع http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=815115.0  وأتمنى على الأخ يوسف أبو يوسف أن لا يزيد النار حطباً وهو أعلم بذلك، المهمة كانت صعبة ومن وجهة نظري من أقسى اللحظات التي عاشها الأب نوئيل گورگيس، حيث تمكن المعنيون من تجميد نشاطه الديني والقومي في هذه البناية فقط، ومن وجهة نظرهم بأنهم أستطاعوا سلخه من مجتمعه الذي خدمه طيلة خمسة وعشرين سنة، ذلك المجتمع الذي لم تتعرف عليه القيادة الكنسية في بغداد منذ ما يقرب من ربع قرن من الزمان ولحد اليوم، هذا الكاهن الجرئ عاش في هذه الكنيسة يقيم القداديس ويُعَلّم ويُرشد ويهدي ويبني سواء شخصية الإنسان الكلداني من خلال برنامجه القومي أو من ناحية التوعية وتقديم الخدمات الدينية لجماهير شعبنا من المؤمنين ضمن الرقعة الجغرافية لتلك الكنيسة، هذا الكاهن الغيور (وما أحوجنا إلى كهنة غيورين بمثله في مثل هذه الأيام) لم تختلط لديه القيم والمهمات، فقد كان يعرف كيف ومتى يقيم هذا وذاك، لقد عمل بكل شفافية، وبلغة ولهجة لا تشوبها شائبة، فلم يقل في يومٍ ما لغته هي السريانية كما يفعل قادة كنيستنا اليوم ويعتبرونها خطأ شائع ومن ثم يسيرون على ذلك الخطأ الشائع ولم يحاولوا ولا مرة واحدة من تصحيح ذلك الخطأ الشائع وهم يحملون أعلى التسميات في شهاداتهم العلمية، هذا الكاهن الغيور يفتخر دائماً بأن هويته القومية هي الكلدانية ولغته الجميلة هي الكلدانية، ولم يحاول كما يفعل اليوم المنساقين وراء تعاليم الكهنة الخاطئة حول الحقل القومي أو الحقل المذهبي حيث يكتبون في حقل المذهب ( كلداني كاثوليكي) مقلدين الآخرين تقليداً أعمى لا يستند إلى صحة أو واقع ولا يقبله عقل أو منطق، ولكن مجرد لإرضاء رجل الدين أو رجال الكنيسة، حيث أن الصحيح هو ( المذهب كاثوليكي فقط) ولا يوجد مذهب بإسم ( كلداني كاثوليكي) ومن وافق على ذلك كان في مقدمة الداعين إلى القومية الكلدانية، ولكن يا حسافة فقد تغيرت المفاهيم ما بين ليلة وضحاها، والمعني يعرف نفسه فإستمارة الإحصاء لا زالت موجودة ومثبت فيها ما أقول.

الأب نوئيل گورگيس كما هو غيور على قوميته الكلدانية ومذهبه الكاثوليكي هكذا هو غيور على دينه وواجباته الدينية، ولكن ايادي القَدَر الظالمة عبثت بمقدرات هذا الكاهن الغيور فتدخلت في رسم خطوط جديدة لمسيرته النضالية والدينية والتي رفضها الكاهن كما رفض أن يطبق أجندات دخيلة على دينه وعلى هويته القومية، وبذلك ناله غضب الأسياد فتربصوا له في كل زاوية، إلى أن تمكنوا منه في غفلة من الزمن لن تطول إن شاء الله، ولما قاوم وأستبسل في القتال، أبعدوه عن الساحة بقرار بطريركي.

لقد تصور الفاتحون الجدد(كما قال الأستاذ مايكل سيبي) أن يوقفوا الأب نوئيل گورگيس عن عمله في بناية تلك الكنيسة فقط، ولكن لن يتمكنوا مهما فعلوا من أن يوقفوا تقدمه ونشاطه في كافة الميادين(الدينية والقومية) مهما فعلوا، لذا فإن بإمكانه تقديم تلك الخدمات وهو خارج بناية الكنيسة المذكورة، فهناك التجمعات الكلدانية والمسيحية ولربما يستطيع تقديم الخدمات الدينية حتى في الهواء الطلق، فيسوع لم يقتصر نشاطه داخل أروقة المجامع بل كانت ساحة نشره لرسالته الهواء الطلق والبرية، وخير دليل على ذلك الموعظة على الجبل، وبذلك يستطيع هذا الكاهن الغيور أن يقتدي بمعلمه، هذا من جانب ومن جانب ثاني مهما قسوا في إتخاذ الإجراءات المجحفة بحقه فلن يستطيعوا أن يثنوه عن عزمه، ولن يتمكنوا من تحديد نشاطه فهو قادر على الإستمرار في ذلك من أجل إعلاء شأن أمتنا الكلدانية ورسالة يسوع الذي خرج من صلب الكلدان، فالكلدان همٌ كبيرٌ حمله الأب نوئيل وما زال كذلك بالرغم من قسوة القدر عليه، ويا عجبي لرئاسة دينية تكون بهذه القسوة !!! أين الرحمة يا مَن تمثلون الرحمة ؟ أين المحبة يا مَن تتكلمون بها ليل نهار ؟ أين العفو يا رجال الدين ؟؟؟

في إحدى الدورات السياسية التثقيفية التي دخلناها(وما أكثرها) قبل أكثر من ربع قرن من الزمان وعلى أيدي أساتذة أكفاء مشهود لهم بذلك، تعلمنا بأن هناك ثلاثة مفاهيم سياسية متداولة، المفهوم الأول ( نفّذ ثم ناقش ) هذا الشعار أتخذته بعض الأحزاب السياسية وتم تثقيف المنتمين لذلك الحزب للإتزام به، وذلك لأن النضال الحزبي المسلح يفرض إلتزاماً لا يحتمل النقاش، وهو واقع مفروض من قبل القيادة السياسية الهرمية إلى القواعد الجماهيرية، لكون مصلحة الحزب لا تقبل الجدال بل التنفيذ الفوري حسب رأي تلك القيادة، والمفهوم الثاني هو ( الطاعة العمياء) وسنفرد لها مقالاً كاملاً، ولكن بإختصار هذا الشعار تم تطبيقه في المؤسسة العسكرية لأن الجيش أو العسكر أوامره لا تقبل النقاش مطلقاً بل هي تنفيذ فوري والأمر إذا صدر من رتبة عسكرية يعتبر نافذ المفعول لحظة صدوره،(وقد أتبعت الكنيسة هذا الشعار في العصور المظلمة)، يعني إذا قال الآمر بأن لون السماء أخضر وليس أزرق فالجميع يقولون نعم، أو إذا قال الآمر أن القير لونه أبيض وليس أسود قالوا نعم، وكان الشعار الآخر المطبق في الجيش هو ( رغبة الآمر أمر)، أما المفهوم الثالث فهو(نفّذ ولا تناقش) وهذا المفهوم تطبقه الأحزاب والمؤسسات الدينية قاطبة، فرجل الدين لا يجادله أو يناقشه أحد، وشعبنا شعب ديني، يعتبر رجل الدين هو العالم بكنه الأمور كلها، ولا يمكن مجادلته أو مخالفة رأيه مهما كان، فلا أدري كنيستنا الكلدانية أي من هذه المفاهيم الثلاثة تطبق في مسيرتها المزدوجة، فهي من جانب تمسك بزمام الأمور الدينية كلها وبقبضة من حديد، تغير ما تشاء وتبقي على ما تشاء، ومن جانب آخر تمسك بذات القبضة على الأمور الدنيوية وذلك من خلال إستماتتها في إنجاح عمل الرابطة التي ولدت ميتة من خلال قادتها الذين لا يعرفون ألف باء الكلدان، ومازالوا على الخطأ سائرين والسبب في ذلك لكونهم تشبعوا بمعتقدات ومبادئ خاطئة تعلموها من خلال إنتسابهم للمجلس الشعبي الأغاجاني أو من خلال إرتباطهم بحركة الزوعا المناهضة للأمة الكلدانية، وهاهو السيد يونادم كنا رئيسهم يقول (لا يوجد كلداني، كل آثوري أعتنق المذهب الكاثوليكي هو كلداني)؟ المهم في ذلك جاء ممثل الكنيسة الكلدانية وممثل قائدها ألاعلى ليطبق التعاليم التي حملها ومنفذاَ شعار ( نفذ ولا تناقش) والذي مزجه بشعار(الطاعة العمياء لرئيس الكنيسة الكلدانية) وتم تطبيقة في أبرشية مار بطرس الرسول فس الكاهون، وفي نهاية المطاف كشف عن حقيقة المهمة الملقاة على عاتقه وهي ليست تقديم الخدمات للشعب المؤمن هناك، ولا زرع المحبة والسلام، كما توهم البعض، ولا تهيئة المصالحة العامة بين أقطاب الكنيسة والذي هو من صلب واجبه، بل لترتيب الأمور وتهيئة الأجواء لكي يزور القائد المنتصر تلك الأبرشية من دون أن يزعجه أحد من خصومه أو منافسيه، وليأتي ويفتح تلك الأصقاع وكأنه أحد القواد الكبار يدخل الكاهون شاهراً سيفه بدلا من صليبه ليعلن للناس ( أنا الفارس وهذه هي الساحة، أين المنازلون ) حيّاك يا بطل الفتوحات.

أليس المفروض أن نتعلم من قادتنا الدينيين!! أن نتعلم منهم المحبة والتي يجب أن يكونوا مثالها الأنصع ؟ ألم يكن بمقدورهم أن يتحلوا بصبر أكبر ؟ أين هي المسامحة التي يتكلمون عنها في محاضراتهم عبر منابرهم ؟ أين هم من تعاليم السيد المسيح له المجد؟ هل سامح يسوع الذين أهانوه فقط ؟ كلا وألف كلا ، لقد سامح يسوع حتى الذين صلبوه، لا بل طلب من أبيه أن يعفو عنهم( يا أبتي أغفر لهم لأنهم لايعلمون ماذا يفعلون) هل أنتهت مساحة المحبة في قلوبهم ؟ هل حملوا السيف بدل الصليب ؟

ها قد زرعتم بأياديكم بذار الفتنة والتفرقة فماذا ستحصدون ؟ غداً سيأتي هذا نافشاً ريشه مزهواً بتعدد ألوانه ، يدخل منتصراً، وسيذهب الآخر ليؤسس كنيسة جديدة للرب يسوع يقدم من خلالها تعاليم الرب يسوع وخدمات دينية لا تستطيع أكبر قوة دينية في العالم من تجريده منها، وسيبقى شعب ألكاهون على مفترق الطريق، فمنهم مَن يتبع هذا ومنهم من يتبع ذاك، وسيلتحق دقاقي الطبول وهزازي الذيول مع الكفة الثقيلة، ويسوع يقف حائراً كالمسكين وهو يردد قوله مرة ثانية (ها أنذا واقف على الباب أقرع، فمن قبلني وفتح باب قلبه لي سأدخل وأباركه) وسيكون لكل حادث حديث.

في الثلاثين من تموز من عام 2016

Follow Us